من أكبر الخطأ الاعتقاد بأن الناس لابد أن يكونوا على نمط واحد، و نغفل التنوع الذي أراده الله ليصنع عالما متكاملا .. فلقد أراد الله -سبحانه و تعالي- و شاءت قدرته أن يكون منا القوى بدنيا و القوى عقليا، و منا المتفوق رياضيا أو علميا أو اجتماعيا، و لذلك ينبغي أن لا نقصر تصورنا و رؤيتنا لذواتنا على مفهوم واحد.
و في تتبع أحوال الآخرين بإمكانك أن تلاحظ كثيراً ممن يعرف الناس و لا يعرف نفسه!! .. إن معرفة الإنسان لنفسه هي المنطلق لقدرته على التعايش مع النفس؛ مالها و ما عليها، فالنفس عالم هائل ضخم, تكتنفها الطلاسم و تحوطها الألغاز و الأسرار، و الكثير لا يتقنون قراءة أنفسهم بشكل جيد، قال تعالى: {وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذريات21]، فقد يظن الإنسان نفسه أوسع الناس صدراً, و أطولهم حبلاً, و أبعدهم أناة و حكماً و مداراة؛ و أفعاله تنم عن غير هذا.
إن ثمة دعوة ملحة تفرض نفسها كبديل عن بث التهم في كل اتجاه، مؤدى هذه الدعوة: أن افهم نفسك و أقبل عليها، فأنتَ بالنَّفسِ لا بالجِسمِ إنسانُ .. قبل أن نلقي بالتبعات و اللوم على غيرنا ينبغي أن نلوم أنفسنا أولاً, و ليس معناه أن نكون قساة مع أنفسنا، مُفْرِطِين أو مفَرّطين، بل على العدل قامت السماوات و الأرض، فالنظر في أدواء النفس هو أول سبيل البصيرة، و إلا فالعمى و التيه.
و لذلك حاول أن تجتهد لتجد نفسك و تحقق ذاتك و تتعرف على قدراتك .. تعرف على ما تحبه و ما يمكنك الإبداع فيه .. واصل إنجازك في المجال الذي تحبه، و تذكر أن الإنجاز يعين على مزيد من الإنجاز، و أن بداية الإنجاز تبدأ بالعزم على تنفيذ عمل ما.
الطريق من هنا
• اعرف المقياس أو المعيار الذي تقيس به الأمور، و لتكن لديك مسطرة تقيس بها، و إلاّ تشابكت عليك الأمور و اختلطت، إذ لا بدّ للوعي من معايير يعتمدها و إلاّ لما قيل عنه إنّه وعي.
• ليس هناك ضير من أحلام اليقظة إذا ما اقترنت بالعمل و الإنجاز و حب الإتقان.
• لا تسخر من إنجازاتك، و من كل ما وصلت إليه، بل شجع نفسك بنتائجك، و تحفّز لتحقيق المزيد من الطموحات.
• من المهم جدا الجرأة على التقييم الذاتي (أي قم أنت بذلك مع ذاتك) بعد كل مشروع أو مرحلة أو محطة استراحة.
• لا تجعل الأسف عند التعرّض للمواقف الصعبة هو كل أسلحتك. لأنك بالفعل قادر على التغلب على الأزمات بإذن الله تعالى؛ فالله يقويك و يعينك لتجتاز كل المحن و الصعاب.
• لا تقلّل من قدراتك - فلماذا تقارن نقاط ضعفك بنقاط قوة غيرك المبهرة؟! جرّب العكس و سترى كم أنك بالفعل موهوب!
• قرّر أن تواجه القرارات الصعبة بنفسك، و لا تؤجل قراراً يجب أن تتخذه.
• أكثر علماء النفس و مدربي الهندسة النفسية يؤكدون على أهمية المحادثة مع الذات، لذلك لا تنسى هذه الفضيلة، فإن فيها بركات جمّة و خيرات كثيرة.
• عبّر عن ضيقك و لكن بشكل غير مبالغ فيه. و بغير انفعال زائد يقودك إلى الخطأ.
• لا تعامل نفسك بحدة أو بشدة، طالما أنك لم تقِّصر في شئ.
• لا تكثر من توبيخ نفسك بالنقد المتواصل.
• ما يعطيك القوة و القدرة على العطاء و البقاء في حالة شعورية مريحة على الدوام هو المحافظة على ما يسمى (بخزان الطاقة) و هذا الخزان إذا أردنا أن نحيا الحياة الجميلة فلا بد له من منابع و موارد، و في المقابل المحافظة على ما فيه من طاقات، مع التنبه و اليقظة للثقوب الصغيرة التي قد تسرب الكثير من الطاقة دون أن ندري .. و المقصود بالثقوب الصغيرة المشاكل البسيطة التي قد تتراكم عليك فتستنزف طاقتك (سداد بعض الفواتير، ترتيب مكتبتك الخاصة، مراجعة طبيب الأسنان ...)
• لا تتسرّع في إصدار أحكامك على الآخرين.
• حاول أن ترى جوانب مشرقة مبهجة في حياتك و ستجد حتما، لأن الله هو خالق هذه الحياة و هو يهتم بك.
• لا تبحث عن الناقص عندك، بل اشكر الله على ما بين يديك من نعم؛ و تقدّم للأمام.
• اقبل نفسك و شخصيتك جملة، و اعترف بالنقاط السلبية فيك .. يقول "ديل كارنيجي" صاحب الكتاب المشهور (دع القلقو ابدأ الحياة) و الذي أفرد فيه فصلاً بكامله بعنوان (كن نفسك) يقول فيه: «علمتني التجربة أن أسقط فورًا من حسابي الأشخاص الذين يتظاهرون بغير ما هم في الحقيقة».
• تعرّف على مشاعرك السلبية من حقد، غيرة، حسد .. لا تنكرها، و لكن اعمل على تغييرها و اطلب من الله عوناً على ذلك.
• اعرف «كل» نقاط قوتك، و لا تسمح لأحد بأن يجادلك بشأنها.
• لأننا راشدون فإننا نختار تلك الرسائل التي نقبلها عن أنفسنا و تلك التي نرفضها. فلا يوجد إنسان على وجه الأرض يمكنه أن يجعلك تشعر شعورا متدنيا عن ذاتك، إلا إذا سمحت أنت له بذلك، و رضيت عنه.
• لا تقلّل من شأن نفسك أمام نفسك أو أمام الآخرين.