أحن لطفلة سكنت أعماقي توارت في حنايا النفس عندي و تسللت عبر فجوات العمر لتجعل من السنين حملا ثقيلا أعياها حمله فتمردت على ظلام الزمن الذي تطفل على نسيجها الصافي ليرهقها بحكم الأيام المتتالية على إثر طفولتها الدائمة لتشبعها هرما و تلاشيا طفلتي استوطنت زنزانة خاصة تطل على الدنيا بأكملها فانزوت وحيدة عن ضجيج البشر لأن قلبها الغض لم يصدق أكذوبة الحقيقة المرة لسلطان الواقع عندها سحبها حسها الطفولي بعيدا تعانق أحلامها المنسابة التي رسمتها ذات يوم على لوح ذاكرتها الشفافة و هي تلتحف فرحا طفوليا رقراقا لم يتسع قلبها الصغير لطيه و كتمانه فبسطت له أفقا زاهرا من شعاع الأمل النؤوم. في خيالها الشاسع البريء كان أفقا خفاقا كحمامة ناصعة البياض رفرفت بين يديها تحدو للرحيل فأغدقتها طفلتي حبا و أمانا و أطلقتها للنسيم تشدو لحن عشقها للسماء و كم كان ممتعا و هي تهفو للرحيل و تطرب آذانها بدفوف الفرح دقتها بأجنحتها احتفاء بمولد روحها من جديد طارت اليمامة كعروس سحرها الاشتياق و دفء الحنين التائه للبوح و الأنين و كم كان ممتعا تسبيحها الملائكي الأخاذ الوديع و طفلتي ترمقها بهمسات السلامة و الرجوع لكنها في ساعة الوداع و استسلامها لسرورها البديع أن الشوق لملمسها المخملي الناعم مرآها الأبيض النقي سيجتاحها ذات يوم و يسدل عليها ظلاله القاتمة تماما كدنياها البائسة التي اعتزلتها ذات يوم كطلل منسي على ركام الذكريات و مضت الأيام و طال الانتظار و زائرتها. البيضاء التي أودعتها للمجهول لم تحط ذات صباح على يديها من جديد لتشكو لها لوعة النوى و حسرة الغياب.