يا هذه الدنيا، أطلّي و اسمعي، و انقلي – بصدق- إلى كل موقع و مجمع، أنّ هولاكو العصر، جاء ليقضّ مضجعي، و يشوه معالم مقدسي، الذي هو قبلتي، و مرجعي.
و ما هولاكو العصر، إلا ساكن البيت الأبيض الأمريكي، الذي خلع كل ذمة، فروّع أمة، و زرع غمة، و تخلص من كل قيمة و همة.
فهل أتاكم يا ساكني الكون، ما أقدمت عليه أمريكا، من ظلم و هون، في حق الشعب الفلسطيني الأعزل من كل مددٍ و عون؟ و مساعده فرعون العصر، الكيان الصهيوني المتغطرس المتجبر، تعميقا للشرخ و البون؟
حدث هذا، بعد، أن وطدنا، للرئيس الأمريكي أكتاف البيت، و أطعمناه اللحم و الشحم، و النبيذ و الزيت، و أشدنا باسمه في دعائنا، و قنوتنا، فأسمعنا الحي و الميت، و قدّمنا له الملايير من الدولارات، و الهدايا، و كيت.. كيت !
لقد كان جزاؤنا، من القائد الأمريكي ما نستحقه، الانتصار، للأقلية الصهيونية الغاصبة الظالمة المحتلة؛ على حساب الأغلبية، المسحوقة المُذَلّة، و كان الدوس على الجغرافيا و التاريخ، بإعلان “القدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل”. و كان الشروع في نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس الموحدة، تجسيدا للوعد المشؤوم.
ألا تبًّا لأمة، يعطي فيها من لا يملك، لمن لا يستحق ! و تبًّا لعالم يسيطر فيه المزاجي الانفعالي، الحرباوي، الذي يأخذ باليمين و يضرب باليسار !
و تبًّا لأمة، تهين عظماءها، و تسجن علماءها، و توقر سفهاءها، و تقدّس غرباءها، و بعد !
فماذا نحن فاعلون إزاء هذه الحرب القذرة، و قد أُعلنت علينا؟
و كيف تكون الاستجابة، لهذا التحدي؟
هل نستسلم، فنوقّع على إزالتنا من الجغرافيا و من التاريخ، فنصبح في خبر كان؟
معاذ الله ! و نحن نزعم أننا خير أمة أخرجت للناس. و كيف يكون الوفاء، لمجاهدينا، و شهدائنا، و معتقلينا، و معطوبينا، و ما كان الله ليضيّع جهادنا، و تضحياتنا؟
فرب ضارة نافعة. إنّ استهانة الزعيم الأمريكي لأمة المليار و نصف المليار من المسلمين، استهانة مستحقة.
ألسنا، نحن الذين، يقتل بعضنا بعضا في اليمن، و سوريا، و العراق، و ليبيا، و أفغانستان؟
ألسنا نحن الذين يلعن بعضنا بعضا، و يفسّق، و يكفّر، و يبدّع بعضنا بعضا، في مصر، و السعودية، و تونس، و الجزائر، و لبنان، و البحرين.. إلخ؟
إنّ قوة عدونا الصهيوني و من حالفه، إنما جاءت من ضعفنا، و شتاتنا، و تفرقنا شيعا و أحزابا، طرائق قددا.
فمتى نعي ضعفنا، و ضياعنا، و قد وصل الفأس إلى الرأس؟
إنه ليحز في قلوبنا، أن يقع لنا كل هذا، و نحن الأمة التي فيها خير كتاب يتلى، و خير قرآن يملى، و خير حديث يُعلى.
و نحن الأمة التي وهبها الله ما وهب، كنوز فوق الأرض، من كل أنواع الطاقات، التي يتوقف سير العالم عليها.
و نحن الأمة التي تزخر، بجمال الطبيعة، و إبداع الكون، و اعتدال المناخ، و إننا للأمة الولود، التي يمثل الشباب أعظم نسبة في ديمغرافيتها، القافزة، إنها الأمة السائرة في الفضاء،
كالعيسفي البيداء يقتلها الظما، و الماء فوق ظهورها محمول.
إنّ القرار الأمريكي الجديد، على ما فيه من نكد، يحمل إيجابية واحدة، و هي إيقاظنا من سباتنا و غفلتنا، و توعيتنا بواقعنا التعيس البئيس، و إنّ في ذلك لعبرة، فليس العيب أن نسقط، و لكن العيب كل العيب أن نيأس من النهوض، و نظل ساقطين.
فيا أمتي ! لقد تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، في عالمنا اليوم، و ويح لمن لم يعانقه شوق الحياة، كما قال أبو القاسم الشابي.
إنه حري بنا – في زحمة هذا الظلام الدامس الذي تعيشه أمتنا، أن نتنادى، في غمرة الظلام، فنشعل شمعة، ثم شمعة، ثم مصباحا، لتبديد جحافل الظلام، و نستقبل خيوط الفجر، الطالع بإذن الله.
آن الأوان –إذن- أن نملأ الفجوة التي تفصل بين شعوبنا، و حان الحين لأن ندفن فتننا، و خصوماتنا، و نزاعاتنا، و ننهض لنصنع معا، معالم المستقبل الأفضل.
نحن مدعوون، إلى السمو عن أحقادنا، و نوايانا الخبيثة، لنتعانق من جديد، و نزرع الحب، و الإخاء، و الجميل في كل مكان.
ازرع جميلا و لو في غير موضعه
فلا يضيع جميل حيثما زُرعا
إنّ عوامل توحيدنا كثيرة، و متعددة و متنوعة.
فقد وحّدتنا الجغرافيا و التاريخ، التي جعلتنا على ضفاف واحدة، و على وقائع تاريخها، أبطالها متعدد و الانتماء داخل جغرافيتها.
و وحّدنا الدين الذي جعلنا أمة واحدة، فنحن نتعبد بقوله تعالى: ﴿وَ إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً…﴾[سورة المؤمنون، الآية 52]. و قوله تعالى: ﴿… لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ…﴾[سورة الأنفال، الآية 63].
و وحّدت بيننا لغة الضاد التي نؤذّن بها، و نصلي بها، و نعبد الله بها.
و أخيرا، وحّدنا القمع الاستعماري المسلط علينا، فلا يفرق بين سني و شيعي، و لا بين مالكي، أو حنبلي، و لا بين أبيض أو أسود. أفلا يكون كل هذا حافزا، لنا، لكي نسمو فوق ضغائننا، فنستعيد وحدتنا، التي هي عنوان قوتنا؟
لقد هيأ لنا الله كل أسباب النهوض، و بيّن لنا كل عوامل النصر، فإن لم نطبق التعاليم الإلهية، و إن لم نستفد من السنن التاريخية، إنا إذن لخاسرون؟
لقد فعل الاستعمار فعلته، و سيظل يناور و يستفز، لبثّ المزيد من الفرقة و الشتات بيننا، و المسؤولية الآن على عاتقنا، فعلى الحكام الأمراء، و العلماء الفضلاء، و المقاومين الشرفاء، و المثقفين النبلاء، عليهم جميعا، الوعي بهذه المسؤولية، لرفع التحدي و الاستجابة لأنات، و آهات المعذبين و المعتقلين، و المضطهدين ليُرفع الغبن عنهم، و يُصحح مسار التاريخ، و يعيد رسم الخارطة الجغرافية.
إنّ سجل التاريخ قد فُتح من جديد، فماذا نحن مسجلون فيه؟
http://elbassair.org/2017/12/12//