قررت في يوم من الأيام بعد الإستماع لندوة وائل حلاق حول تجزؤ العلمانية: العلمانية و الإسلاموية و التي إلقاها في محاضرة له على اليوتيوب ترجمتها ملتقى تواصل – يستعرض فيها حلاق أهم نقد وجهه للعلمانية و تشظيها و نشأتها، و من خلال الإستماع للندوة يذكر حلاق كيف تم تفريغ الطبيعة من قيمتها و جعلها فارغة و بليدة و جامدة و تافهة بوصف الفيلسوف "بويل " و هو ما يعده أكبر قصص الإنتهاك معرفة لدى البشرية !
و قد قاطع الجمهور البروفيسور وائل حلاق في الندوة قائلاً: إنا أتسائل ماذا لو كنت أتحدث عن الشريعة و قطع الأيدي فالعديد من الحاضرين سوف يغادرون الندوة – و لقد جاء تعليقه هذا بعد حديثه عن جملة الفيلسوف "بويل" بأن الطبيعة متوحشةو تافهة بليدة !
طبعا انا لم أستدرك ماذا قصد بهذا و ذهبت اسأل أخي معتصم عن ماذا قصد حلاق بجملته هذه:-
- أنس : لماذا ذكر وائل حلاق قطع الأيدي حينما تكلم عن تعريف الطبيعة بوصف الفيلسوف " بويل " ؟
- معتصم : و ذلك أخي حتى يلفت النظر إلى أن الناس تحكم على الظواهر، فالقول أن الطبيعة تافهة و بليدة و غبية قول خطير جداً لا يعادله خطورة أي شيء أخر و لا يقارن بقباحة قطع اليد لمن يريد أن يتأمل في الأمر.
- أنس : يا ريت توضح لنا أكثر فأنا لم أفهم بعد..
- معتصم : الطبيعة بعظمتها بجمالها بخيراتها بكل النور الموجود فيها، بالغذاء الذي تعطيه لنا هي تافهة و بليدة و فارغة ! هل يوجد كلام مجرم و غليظ و ناكر لكل شيء أكثر من هذا ؟
- أنس : طبعا لا يوجد، لكن لماذا بالظاهر تتألم لقطع اليد و لا تتألم لمثل هذا الكلام و خاصة لما سيؤدي إلى كوارث بحق الطبيعة!
- معتصم : فكر معي اخي أنس هل نستطيع أن نقول عن أي شيء أنه قبيح إذا كان مفهومنا عن الطبيعة أنها شيء " ميت "!!إلا يشمل مفهوم الطبيعة الجمال و الأخلاق و الواقع و الحقيقة و الشعور بالألم، عليه إذا ما أخذنا غير إنفسنا بعين الاعتبار فهل يبقى لمفهوم الألم أي معنى ؟
- معتصم : إذا كان الله لا يمكن إثباته و الطبيعة شيء تافه وبليد و الحقيقة نسبية على ماذا نبحث ؟ و لماذا نكترث أصلا في كل شيء و بكل شيء شخصي ؟ و لو كان المجرم يتلذذ بعذابات الأخرين فلا معنى لأي شكوى !!
- أنس : ما لم أفهمه كيف وازن هذه المقاربة و يا ريت تقارب الصورة بشكل أفضل و خاصة بالعلاقة مع القول بقطع اليد بوصف "بويل " بأن الطبيعة بليدة و متوحشة و تافهة!
- معتصم : نعم لا شك عندي أن قطع اليد شيء قاسي جداً جداً، لكن أليس برأيك القول بأن الله غير موجود و أن الاخلاق و الحقيقة تتغير و أن الطبيعة تافهة و بليدة و متوحشة من أبشع ما وصل إليه الإنسان من سوء فهم و نكران للجميل و عمى قلب !لكن الناس بسبب غسل الدماغ تنتفض للقليل و لا يلقون نظراً على الأسوء بالإطلاق و ما يحاول قوله حلاق يا عزيزي هو كل المعرفة بمعنى أن الشريعة قد خربت سمعتها الإحكام الجنائية و أصبح ينظر إليها بنظرة قانونية غير إنثروبولوجية لا تراعي السياق الزمني للعصر التي كانت سائدة فيها وأن الغربي لا يعرف عن حسنات الشريعة شيء و يذكر السيء منها فقط و يريد أن يرينا أننا لا نعرف إلا كل حسن عن الأوروبي و هذا مما يخيل له!
- أنس : بقي أن نحاول التركيز على إعادة الفكرة، إنا معك إن القول بأن الطبيعة تافهة و بليدة و متوحشة سببت في تلوثيها و إنقراض نصف الحيوانات و الممارسات الجائرة التي حصلت بحقها و هذا ما لا يضاهى مع حكم قطع اليد لكن ماذا حاول حلاق أن يقول أيضاً ؟
- معتصم : لا يستطيع احد أن ينكر بالقول أن عمل قطع اليد حكم قاسي جداً و أفترض معي انه حكم شرعي و مع ذلك هو قاس، و على الرغم من الشروط التي يجب توفرها حتى يتم تطبيق الحد، لكن لو قلنا أن هناك حاكم يسرق بلده و يقوم بتخريب التعليم و إفساد البلد، فأيها أهون ؟ قطع اليد أم تخريب البلاد ؟
- أنس : أكيد قطع اليد بلا شك !
- معتصم : و مع هذا القول بأن الطبيعة شيء تافه و بليد و متوحش أقسى ما توصل اليه الانسان و أقسى من قتل نصف سكان الأرض ! تأمل أخي العزيز بما قاله القرآن عن الطبيعة و ما قاله الشعر الإسلامي و خاصة الصوفي منه ثم قارنها بكيف تعامل المادي معها و كلام الفيلسوف بويل يلخص الفكر المادي و عليه حلاق يا عزيزي يحاول أن يقول أن الناس تلهف لأن تكون عصرية و لكن آراء المفكرين الغربيين عن الطبيعة تعكس بربريتهم حول فهمها، فكر معي الطبيعة تعني أمك، أبوك، أخوتك، بيتك، حقلك، سمائك، الألوان، النور، الليل، النهار، الأنهار، ضوء القمر، الفصول، الشجر، و الحجر و إلى آخره .... كل هذا تافه ! و بليد ! و متوحش ! من هذا الإنسان الذي يقول هكذا كلام ؟ إنه نفس الأنسان الذي يذوق العسل و يقول عن مذاقه بشع !