(إذا عز أخوك فهن) مثل عربي يحوي لآلئ من الحكمة الرصينة في فن التعامل مع الآخر, و يضرب هذا المثل للحث على ملاينة الإخوان و مسايرتهم و غض الطرف عن هفواتهم و سقطاتهم, و ذلك للمحافظة على بقاء أواصر المحبة والأخوة بين الأفراد أو بما يسمى بـ (شعرة معاوية) يقول معاوية بن أبي سفيان: (لو أن بيني و بين الناس شعرة ما انقطعت. قيل: و كيف، يا أمير المؤمنين؟ قال: كانوا إذا مدوها خليتها، و إذا خلوها مددتها )
ففي معترك الحياة الخاصة منها و العامة, تضطرنا الظروف أحيانا للتعامل مع الكثير من أنماط البشر,
منهم ما يوافق هواهم هوانا, فنسر بهم و نأنس معهم, و منهم من لا تجاري طباعهم طباعنا, و لا تجانس خلالهم خلالنا, فتتسع الهوة بيننا و بينهم. و يعمق الشرخ, و لكن لا مناص من الاحتكاك بهم و التواصل معهم. و لا ينجدنا في مثل هذه الحالة إلا سعة الأفق و رحابة الصدر و طول النفس, و هذا ما يهون علينا طول الطريق الذي يجمعنا بهم, و اختلاف المزاج الذي ينأى بنا عنهم, و هكذا نصل و إياهم إلى مفترق الطرق و قد هونا مشقة المسير و ذللنا. عسر الوصول ""و كلّ أخ مفارقه أخوه … لعمر أبيك إلّا الفرقدان""و حتى نبلغ هذه الدرجة من السمو الذوقي و الارتقاء الأخلاقي مع من نختلف معهم فكريا و ثقافيا أو حتى تربويا, فإن ذلك ليس بالهين لأن الصعود يتطلب الجهد و المجاهدة. إذا قمنا بمقارنته بالنزول الذي لا يكلفنا جهدا يذكر
اللهم إلا اتباع النفس و لذة الانتقام المؤقتة التي تعقبها حسرة الندم و نمو بذرة العداوة و امتداد جذورها بين الأفراد ليصعب قلعها و استئصالها فيما بعد. و مهما آمنا و سلمنا بالأسلوب الرباني الموضح لنا "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" (34): فصلت.
يظل الواقع هو المحك الذي تتضح فيه قوة المبدأ و رساخة الإيمان بالفكرة, قال رسول الله"إن أحبكم إلي أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون و يؤلفون".