ماذا لو طالب الجزائريون فرنسا أن تعوّض لهم الحديد الذي استنزفته من الجزائر لبناء برج إيفل الذي دشن سنة 1889؟
فهذا البرج يزن 10100 طن، و استعمل فيه ما لا يقل عن 2.5 مليون مسمار، و إيراداته حسب دراسة إيطالية تبلغ 540 مليار دولار سنوياً، فكم يكون نصيبنا من موارد هذا البرج المسلوب؟
استنزاف الثروات
بعد أكثر من خمسين سنة من استقلال الجزائر لا تزال فرنسا تحاول جاهدة استنزاف ثروات البلاد بأي شكل من الأشكال، حتى باتفاقيات شكلية لا ترجع بالخير على الشعب الجزائري. و الأعجب و الأغرب أن فرنسا أمس هي فرنسا اليوم، بنفس الأطماع التاريخية خاصة إذا تعلق الأمر بالاقتصاد. فهي توقع الاتفاقيات الاستنزافية مع الحكومات الجزائرية المتعاقبة، و كل حكومة منها تحاول أن تنافس سابقتها في التقرب أكثر من مستعمر الأمس، الذي تفنن في التلاعب بها كما يشاء.
فقد حصلت فرنسا على امتيازات عديدة في الجزائر في شتى المجالات الاقتصادية و التجارية، و كان آخر امتيازاتها تلك التي جنتها من خلال زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في ديسمبر/كانون الأول 2012، فالمعطيات تقول إن فرنسا وقعت مع الجزائر عدداً معتبراً من الاتفاقيات قدرت بما لا يقل عن 40 مليار يورو.
السؤال: ماذا حصلت الجزائر مقابل التوقيع على مثل هذه الاتفاقيات مع من استنزف خيراتها في الماضي؟
لو قلت لا شيء قد أكون مبالغاً، لكنني سأقول إن الاقتصاد الجزائري تراجع إلى الوراء أكثر و أكثر. و كأن هذه الاتفاقيات تجذبه إلى الأرض حتى لا يتطور و لا يتقدم. و فعلا لا نشعر كجزائريين أن هنالك بوادر تطور على أرض الواقع، و لا ندري كيف أن هؤلاء الذين فاوضوا الفرنسيين تنازلوا عن حقوقنا. حتى ظننا أن الاستعمار خرج من النافذة ليرجع من الباب.
الدليل على ما نقول أن اتفاقيات صناعة السيارات في الجزائر ترجع إلى سنوات طويلة قبل القرن الواحد و العشرين، و رغم ذلك كنا نصدق فرنسا في وعودها الكاذبة، و كانت سيارات بيجو و رونو تحظى بامتيازات خاصة من الحكومات الجزائرية المتعاقبة. و حافظت هذه الشركات على أرقام أعمالها العالية و الممتازة بفضل المستهلك الجزائري الذي منحته دولته قرضاً استهلاكياً لاقتناء سيارة. فاستنزفت الأخيرة المليارات من فوائض الجزائر، و اجتازت هذه الشركات بفضل الجزائر أصعب أزمات الاقتصاد الفرنسي، دون أن تلتزم بفتح مصانع لصناعة أو تركيب سياراتها في الجزائر. في حين فتحتها في المغرب مثلاً، الذي تحقق فيها أرقام أعمال أقل بكثير من تلك التي تحققها في الجزائر.
الجزائر استقلّت، و إمكانات الاقتصاد الجزائري أكبر بكثير من أن تبقي السيطرة الفرنسية على جوانب منه، و كأن الأمر يتعلق بشركة مساهمة تحاول أن تملك فيها أكبر عدد من الأسهم.
منذ 1962 مر ما لا يقل عن 800 وزير في الحكومات الجزائرية المتعاقبة، منهم 600 وزير حصلوا على جنسية أجنبية أغلبها فرنسية. هكذا معلومة ممكن أن تزيل العجب. سيطرة الفرنسيين على الاقتصاد الجزائري و ثروات الجزائر هي حقيقة لا مفر منها و بتواطؤ من أطراف داخلية لا تزال تمارس الخيانة الاقتصادية.