في أحد التصريحات الإدارية الهامة لأكثر قادة الأعمال شهرة (جاك ويلش) الرئيس التنفيذي المتقاعد لشركة جنرال إلكتريك، قال: إن الخطأ الاستراتيجي الذي يقع فيه المديرون هو أنهم يحاولون تنفيذ استراتيجيات الجيل الثالث بوسائل الجيل الثاني، و عقلية الجيل الأول..!
و انطلاقا من ذلك يمكن القول أن الدول المتقدمة أدركت بفاعلية الأهمية المتنامية لإدارة المواهب بكفاءة و فاعلية، و تعاملت معها في ضوء فلسفة و نظم إدارة الموهبة؛ و لكن مؤسساتنا العربية ما زالت تفتقر إلى الوصول للنموذج المتكامل للتعامل مع إدارة المواهب العربية، و لا سيما مع تركيز مؤسساتنا المختلفة على إدارة التهديدات بقياس الفجوة في الأداء و العمل على علاجها من خلال برامج التدريب و التطوير، و بالتالي تحقيق مستوى الأداء المقبول و تتجاهل إدارة الفرص التي تحتاج جهد و تكلفة أقل و هي التي تعمل على تحقيق التميز و الإبداع عن طريق إدارة الموهوبين.
تعتبر الموهبة قضية العصر، إذ أن العصر الذي نعيشه الان هو عصر علم و تقنية و نبوغ معرفي و تقدم مذهل يعتمد في أساسه على تخطي الحواجز و تغيير المألوف و ابداع جديد متطور دائماً، كما أنه عصر ملئ بالأحداث و مختلف الأزمات و الكوارث على اختلاف أشكالها، و لا يتسنى ذلك للمجتمعات النامية إلا بالاعتماد على دور كل فرد من أفرادها عامة و الموهوبين خاصة، فتقدم الأمم و رقيها مرهون بتقدم فكرها و نتاجها العلمي.
و نقصد بإدارة المواهب هو القيام بتنفيذ استراتيجيات متكاملة أو أنظمة مصممة لتحسين عمليات توظيف و تطوير الأشخاص و الاحتفاظ بذوي المهارات المطلوبة و الاستعداد لتلبية الاحتياجات التنظيمية الحالية و المستقبلية، و للحصول على الأفراد المناسبين في الوظائف المناسبة، و في الوقت المناسب، و لتحقيق أفضل النتائج المتوقعة علينا بناء عملية إدارة المواهب الاستراتيجية بشكل دقيق.
و يكمن التحدي بكيفية خلق البيئة التي تمكن دمج و تشجيع المواهب داخل المؤسسة، و التركيز على الإبداع و تحقيق الرفاهية و الرضا أكثر من أي شيء آخر، و أيضا التركيز على خلق إطار جوهري يتم من خلاله معرفة من هم أفضل الناس الذين يجب أن يستمرون و يبقون في المؤسسة، و قد أكدت التجارب العالمية في أن بعض الدول التي ركزت جهودها على انشاء المشروعات الصناعية الضخمة و استيراد التكنولوجيا الحديثة، و أهملت الاهتمام الحقيقي و الجاد بإدارة المواهب لم تفلح في تحقيق أي تقدم اقتصادي أو أن تتبوأ مكانة متميزة و منافسة بين الدول و منظمات الأعمال.
إن الفكرة الرئيسية لإدارة المواهب هي تطوير الموارد البشرية اللازمة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة، من خلال بذل الجهود لتناسب إمكانات و مهارات العاملين مع حاجات العمل الحالية، و لقد كشفت "بي دبليو سي" الشرق الأوسط عن نتائج أول استبيان لها حول إدارة المواهب و الذي حمل عنوان "الاستراتيجية والموهبة و القيادة". و تناول الاستبيان مسألة التحديات التي تواجه المتخصصين في مجال الموارد البشرية بالمنطقة و شمل 248 مديراً لقسم الموارد البشرية في منطقة الشرق الأوسط. و وجدت بي دبليو سي أن لدى بعض الشركات في المنطقة صلة استراتيجية بين أهدافها و ممارسات إدارات الموارد البشرية.
لقد أصبحت المجتمعات على اختلاف درجات تقدمها تولي أهمية كبرى لرعاية الموهوبين و المتفوقين، فأولئك يمتلكون قدرات متميزة يجب متابعتها و تنميتها، و هم يمثلون قطاعاً مهماً في القوى و الإمكانات البشرية، فالتفوق و الموهبة يعدان من أهم أسس التقدم الحضاري، و عاملا مهم في تقدم الإنسان المعاصر، و في مواجهة مشكلات حياته الراهنة و تحديات مستقبله.
و يمكن القول بأنه مع ازدياد شدة التحديات المعاصرة على المؤسسات، فرضت مهام جديدة على إدارة الموارد البشرية و القيادة الاستراتيجية للمؤسسات لعل أكثرها حرجاً و أهمية هو جذب و استقطاب نوعية جديدة من الموارد البشرية تتميز بدراية و معرفة عالية و قدرة متميزة فيما يعرف بإدارة الموهبة، و يرى العديد من علماء الإدارة أن تحقيق النجاح في القرن الحادي و العشرين يتطلب إحداث تغيرات جوهرية في فلسفات العمل و أنظمته و سياساته، و أن النجاح في الظروف الحالية والمستقبلية يستلزم مزيجاً من القدرات المميزة التي تساعد على تحقيق الابتكار و الجودة و المرونة و الإبداع والمنافسة.
الرابط : https://wefaqdev.net/art6297.html