قدر الله لهذا الشعب أن يكون سليل ثورة لا يمكن إلا أن تكون مثال الثورات العظيمة، و إبنا لرجال لا يمكن إلا أن يكونوا من طينة الرجال العظام الذين أوقفوا الدنيا على رجل واحدة و غيروا مجرى التاريخ و أسقطوا أعتى الإمبراطوريات و علموا الدنيا معنى الحرية و الكرامة و التضحية اللامتناهية.
و نحن إذ نحتفل هذه الأيام بالذكرى التاسعة و الخمسين لهذا الجهاد المبارك، فإنا نرفع الهامة بهؤلاء الأشاوس و نقدر لهم التضحيات الجسام و نخجل من واقع ورثناه مرويّا بالدماء الطاهرة فأضحى أشد ما يكون عطشا من إنجازات الإنسان و قربات المخلصين لننتقل إلى رتبة الخلَف في زمن لا نتعدى إلا أن نكون خلْفاً.
و قد قيل سابقا: " يُعرف الجواب من عنوانه " فإن أول ما استهل به هذا الجهاد المقدس هو البيان الخالد المُجدّ الذي حدد المسار و أوضح الطريق و وضع الأرجل على صحيح السكة الموصلة إلى المجد، و قد أردت استخلاص بعض المزايا من هذا البيان الذي عرّف بالثورة و نشرها علّه يكون لنا نبراسا في بناء ما يمكن بناؤه و تشييد ما يمكن إعلاؤه، و نرى أن هذا البيان تميز بــ:
1) الرؤية الإستراتيجية الواضحة: كان للمجاهدين الأوائل رؤية ثاقبة سبقت زمانهم، تمثلت في الأهداف المحددة جدا التي وضعوها لطريقهم و الوسائل التي يعتمدوا عليها لتحقيق هذه الأهداف الموضوعة و الأسباب التي دفعتهم إلى تسطيرها سواء من الوضع الداخلي المتأزم الذي غلب عليه الجهل و التعتيم، أو من الوضع الخارجي للدول الشقيقة القريبة التي غدرت بها القوة الاستعمارية الخائنة.
2) الأفق الواسع: لطبيعة الدولة التي كانوا ينشدونها، وللعلاقات التي كانوا يحرصون عليها مغاربيا وعربيا وعلى المستوى الإفريقي والدولي، و هذا ما مكّنهم من تجميع كل القوى المؤيدة للتحرر في صفهم، و كسب تعاطف كل الشعوب و المنظمات و الهيئات التي انتشر خبر الثورة من خلالها.
و أحب أن أذكر بشيء غاية في الأهمية و هو اعتماد كبار هؤلاء الثوار و أساطين هذا الجهاد الاعتماد الكبير على الدين و أهميته في نفوسهم و اعتقادهم بأنه المخلص الوحيد لهذا الشعب من هذا المستدمر الباغي و لذلك كان أحد بنود ميثاق جبهة التحرير الوطني الموقع في 17 فبراير 1955 أن " الجزائر عربية الجنس مسلمة العقيدة، فهي بالإسلام و العروبة كانت، و على الإسلام و العروبة تعيش، و هي في ذلك تحترم سائر الأديان، و المعتقدات، و الأجناس، و تشهّر بسائر النظم العنصرية الاستعمارية".
قال الدكتور المجاهد أحمد بن نعمان: " الدين الذي أساسه و جوهره الإيمان ليس أفيونا للشعوب في أصله، بل هو ضروري للنجاح في الحياة و تحقيق أسمى الأهداف فيها، و نعتقد أن الإيمان بالله عند المليون و نصف المليون من شهداء الجزائر الذين جمعتهم كلمة الجهاد كان محققا لكل الأهداف التقدمية الدنيوية التي طمح إليها ( شي غيفارا ) زائد على ذلك الطموح الأخروي الذي هو خير و أبقى ".
و أختم هنا بقول الراحل شريف مساعديه و هو يوضح الطريق لنا قائلا: " إن الأجيال الصاعدة لن تكون خير خلف لجيل نوفمبر ما لم تتخلق بأخلاقه، و ما لم تتحل بخصاله و صفاته، و ما لم تتأمل صادقة في سلوكه و سيرته، و ما لم تجاهد مخلصة للقضاء على سائر الأمراض الاجتماعية التي تترصد كل شعب يطمح إلى التقدم و الرقي".
حيّ أرض الأسود حي القساور حي ربع الأبـــاة حي الجزائر
حي أرضا تخضــــــبت بدمــاء زاكيات فأزهـــرت بالمفـــاخر
حي فيها الكفـــاح يزداد عــزما و مضـــاء مبـــددا للديــــاجر
حي روحا تقحمت كـــل هــول في شباب على الظلمـــاء ثائر
This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.">This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.