هذا التطور التقني الذي حوّل مواجهة بين جيشين معاديين، إلى رحلة تسلية يجرب فيها العساكر الأمريكيين آخر صيحات التكنولوجيا في مجال الفتك بالبشر، أصبح خيار إستراتيجي لدى الساسة في واشنطن، فهم و إن تظاهروا بالانسحاب من أفغانستان و العراق لم يفقدوا في حروبهم الأخيرة عشرة آلاف جندي، و هم الآن يملكون قدرة تدمير هائلة لكل ما هو حي، في المقابل أعداءهم كل ما هو بمقدورهم فعله، القنص أو تفجير سيارات مفخخة.
فصناعة الموت في أمريكا ازدهرت ازدهارا منقطع النظير في عصر نسمع فيه ساستها يبشرون بالسلام و محاسنه، طيلة تاريخها المعاصر، و منذ خروجها من عزلتها ما زرعته أمريكا من موت و دمار يفوق بكثير ما فعلته لتدعيم قضية السلام العالمي.
لازال في ذاكرتي الوصف السخيف الذي تحمله كتب التاريخ، و الذي برر تدمير ناغازاكي و هيروشيما باعتبار أنه كان يتعين على الجيش الأمريكي أن يضع حدا نهائيا للحرب العالمية الثانية في أوت 1945، بينما الحرب انتهت فعليا بموت الزعيم النازي هتلر في 31 أبريل 1945. و حتى إن لم يستسلم اليابان، كان الجيش الأمريكي وحلفاءه قادرين على هزم اليابانيين في حرب تقليدية يتواجه فيها الجيشان بدون رمي قنابل نووية على رؤوس مدنيين عزل، يا إلهي كم هؤلاء اليانكي يتقنون النفاق و هم يتحدثون عن حقوق الإنسان! هم يلعنون هتلر لأنه كان يؤمن بالإنسان السوبر على طريقة نيتشة، و رجال واشنطن و باريس و لندن كرسوا فعليا ما آمن به الزعيم النازي "فلا حق في هذا العالم للضعفاء أن يقولوا لا للأقوياء"، و يا ويلهم إن فكروا مجرد تفكير في مزاحمة الجنس الأرقى بارتقاء سلم العلم، و أعني بالعلم هنا ذلك الذي يعلي من شأن إنسانية الإنسان، و ليس ذلك الذي يمسخه إلى حشرة يمحوها من الوجود صاروخ طائرة من دون طيار.
أكثر ما يثير المخاوف في حضارة الجنس الأبيض قدرته الرهيبة على زرع الموت بدون أدنى تأنيب ضمير، واضعي الإستراتيجيات في واشنطن و عواصم الغرب في السنوات الأخيرة انصب همهم على طمئنة الشعوب بأن البنتاغون لن يعاود حماقاته بدفع جيوشه ضد دول ما، لكنني في كل مرة أقرأ مثل هذه التحاليل أتساءل، و هل نحن أغبياء لهذه الدرجة كي نصدقكم يا خبراء الحرب و السلم؟؟
واشنطن لم توقف حربها منذ خروجها من العزلة، فساستها تنكروا لوصايا الرئيس جورج واشنطن التي ضمنها خطاب وداعه في 17 سبتمبر 1796، الحرب الأمريكية على العالم مستمرة و على كل المستويات، لا يحق لإيران أن يكون لديها قنبلة نووية، و لا أن ترسل صاروخ للقمر، أو أن تُنَصَّبَ أقمار صناعية في الفضاء الخارجي من صنع إيراني مائة بالمائة، لا يحق لكوريا الشمالية أن يكون لها برنامج نووي عسكري، لا يحق للصين أن تطور تكنولوجيا ضرب أقمار صناعية عسكرية خارج الغلاف الجوي لكوكب الأرض، لا يحق للمسلمين أن يرفعوا رأسهم أمام سرطان ما يسمي زورا و بهتانا "إسرائيل".
فاحتكار تكنولوجيا الموت و الحياة حكر على بنو البشرة البيضاء ممن إسودت قلوبهم، فليس كل إنسان أبيض شرير، لكن المؤسسة السياسية البيضاء في واشنطن، لندن، أو باريس معروفة منذ بدايات النهضة بعدائها الدفين و المعلن لحضارة الإسلام، فكيف بنا اليوم و نحن في الدرك الأسفل من الحضارة ؟
عندما أراد الله الرفعة للبشر و أولهم العرب أرسل إليهم محمد صلي الله عليه و سلم، الذي رباهم تربية ربانية سَمَوْ بها، و عَرَّفوا بها في كل الأراضي التي فتحوها، و هذا ما فعل بدرجة أقل و بقدر كبير من التفكير الإنساني القاصر هتلر حينما أراد أن ينتقم لشرف ألمانيا الممرغ في التراب في الحرب العالمية الأولي، قبل أن يفكر في وضع حد للأزمة الاقتصادية الخانقة التي عرفتها ألمانيا آنذاك، باشر بتربية شعبه التربية الصالحة التي أكدت على رجولة الرجل الألماني، و على أنوثة المرأة الألمانية، ففصل البنين عن البنات في مجال التعليم ليحصل على جيل ألماني معتد بانتمائه و أخلاقه الصارمة، و بفضل هذا الجيل استطاعت ألمانيا أن تستعيد قصب السبق الحضاري، و ما جري فيما بعد لا يهمنا في هذا المقام.
الحرب الأمريكية قائمة و معلنة على البشرية جمعاء و علينا نحن المسلمين خاصة، كم خسرنا و كم خسرت معنا الإنسانية حينما أدرنا بظهورنا لله و ملائكته و رسله عليهم السلام جميعا!
جيل بعد جيل لمدة 132 سنة في الجزائر لم نمل من الإيمان بأنه سيأتي يوم و ستدق فيه ساعة الحساب مع فرنسا المحتلة الإستدمارية و دقت الساعة و هذا هو المصير المحتوم للإنسانية جمعاء، سيأتي يوم و سنحسم أمرنا مع قوي الشر و البغي الدولية و في إنتظار ذلك اليوم الموعود علينا بإعداد العدة.