أنزل الله الكتاب المحكم المعجز هدىً للناس من الضلالة و وقاية لهم من الغواية و إيصالهم بالله و صراطه المستقيم.
أتى القرآن لقوم متحررين من كل قانون أو نظام أو عرف عام، أتاهم و هم في جاهلية جهلاء، لا تعرف معنى إلا للقوة المادية من سلاح و مال و عيال.
أتى القرآن لبيئة كان عمر بن الخطاب فيها يدفن ابنته و هي تمسح التراب عن لحيته ثم أصبح هو نفسه يطعم فقراء المسلمين بيده و هو يبكي فيقول له مرافقه " دعني أحمل عنك يا أمير المؤمنين " فيرد عليه عمر : " أأنت حامل وزري عني يوم القيامة ".
و أتى القرآن و الخنساء ترثي و تجزع لموت أخيها صخرا حتى قالت:
يذكرني طلوع الشمس صخراً وأذكـــره لكـــل غــروب شمس
ولولا كــثرة الباكــيـن حــولي عـــلى إخوانــهم لقتلت نـفســي
وما يبكون مثـــل أخـــي ولكن أعـــزي النفس عنــه بالتأســـي
فلما أتى يوم القادسية أوصت أبناءها الأربعة وصية بليغة إذ قالت: " يا بنيّ إنكم أسلمتم وهاجرتم مختارين، فإذا أصبحتم غدًا إن شاء الله سالمين، فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين. وإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرمت لظى على سياقها وجللت نارًا على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة ".
إنّ هذا التغيير السريع المفاجئ يدعو إلى الحيرة من جهة و إلى الإكبار و التعظيم لأداة التغيير من جهة أخرى.
و إذا سبرنا أغوار البيئة العربية حينذاك لا نلحظ أيّ تغيير إلا نزول هذا الكتاب المعجز الذي أصاب جزيرة العرب بانقلاب عنيف، قلب حالها رأسا على عقب كما رأينا سابقا.
و كان محور انقلابه على ثلاثة خطوط:
1) النفس و المشاعر : فغيّر أنفس معتنقيه و ارتقى بمشاعرهم و جعلهم بربهم يوقنون و عليه يتوكلون و في سبيله يموتون و عند حرارة الطعنة يقول قائلهم: " فزت و ربّ الكعبة".
2) الحياة ككل: فقد أصبح هذا الجيل القرآني الفريد حارس الأمم بعد أن كان حارس الغنم، و قائد الدول بعد أن كان قائد الإبل، و هادي الناس إلى الله تعالى بعد أن كانوا أئمة يدعون إلى النار.
3) التاريخ من بعدهم: لم يكتفوا بالتأثير في واقعهم بل أثرّوا أيضا في مستقبل غيرهم، فقد فتحوا الأمصار، و حرروا البلاد و العباد، و دانت لهم رقاب العالم أجمع بإنسه و جنّه حتى لقد كلموا السباع و مشوا على مياه البحار فما ابتلت حوافر خيلهم.
إن هذا ليدلنا على شيء واحد بسيط : إذا أردنا أن نقوم من جديد فلا مجال لقومتنا إلا بما قام به أسلافنا ، و إلا فنجوم السماء أقرب لنا.
This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.
Comments
لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما صلح به أولها
و قال شيخ الإسلام : (غاية الكرامة لزوم الاستقامة ، فلم يكرم الله عبداً بمثل أن يعينه على ما يحبه الله ويرضاه ، ويزيده مما يقربه إليه ويرفع به درجته)
وللأسف قد أصاب هذه الأمة عدة أمراض فتاكة جعلتها تركن إلى الدنيا وترى أن هذا الدين العظيم، هو دين رجعي ، متخلف ، غير قابل للتأقلم مع هذا العصر. ووو
ولله من قبل ومن بعد
وفقكم الله أخي الكريم وسدد خطاكم
RSS feed for comments to this post