في صغري كنت ككل حالمة وهبها الله عشق الكتابة، فكانت أجمل أحلامي لحظات أجالس فيها قلمي على شرفة مطلة على أبهى المناظر، بها مكتب أنيق يزينه حاسوب و تتناثر على جانبيه كتبا و أوراقا يغازلها قلمي كلما أثقلته الخواطر، و في وسطه فنجان قهوة جميل أرتشفه فيزيد كلماتي تألقا و تأنقا .. و طبعا كانت مجرد أحلام فتية لم تتحقق إلى بعدما مضى من العمر عمرا .. رغم هذا ما أجلت كتاباتي و لا اختزنت كلماتي لحين تحقق أحلامي و توفر إمكانياتي، بل بالعكس كتبت في مطبخي و على فراشي و فوق السلالم و في الحافلة و على أرصفة مدرستي و ثانويتي و جامعتي و في كل مكان و في أي زمان ما دامت الخواطر بداخلي تخلق و يترجمها قلمي على أي ورق أبدع كلمات.. و هذا كان منطلق مبدئي في الحياة أن أبدع دوما في حدود الإمكانيات ..
و استحضرت هذا المبدأ حين تسلمت إدارة روضة عبد الحميد بن باديس، و كانت في بداياتها تفتقد لكثير من الإمكانيات التي تحقق لنا العمل بإبداع و تميز من أجل رعاية الأطفال على طراز عال، و كنت حينها أيضا أحلم بأشياء كثيرة أوفرها لرياحيننا و كتاكيتنا لينعموا بأجمل اللحظات في روضتنا لعبا و تربية و تعلما، و لعل ما كان يشغلنا دوما هو مساحات اللعب و تنوع اللعب التي تشبع رغبة الأطفال في هذه الحاجة الفطرية لديهم خاصة و أنهم يبقون معنا يوما كاملا لا بد من تنويع الأنشطة فيه .. و فكرنا في أمور كثيرة في حدود ما تسمح به الإمكانيات المتوفرة لدينا، فكان من بينها أن خصصنا في مرات عديدة صبيحة يوم الخميس لنخرج الأطفال في جولة بسيطة إلى الجوار، حيث تتوفر حديقة ألعاب متواضعة و ملعب جواري مناسب و الحقيقة أنها كانت من أجمل اللحظات بالنسبة للأطفال إلى درجة أنهم يظلون ملتزمين الهدوء و احترام مربياتهم و طلباتهن طيلة الأسبوع من أجل إخراجهم للعب في الهواء الطلق صبيحة الخميس .. فكانوا يلعبون ألعابا حرة و موجهة و يلهون و يفرغون شحنات الأسبوع كله و الفرحة تنطق من عيونهم و السرور يغمرهم و ينثر عبيره في الأجواء .. كل هذا من غير أن يكلفنا شيء، و قد لمسنا تحسنا ملموسا للأطفال في استيعابهم و متابعتهم و أصبحوا يحبون الروضة و أكثر تجاوبا مع مربياتهم داخل أقسامهم .. و النتيجة ثمار رائعة بإمكانيات متاحة و بسيطة جدا ..
و رسالتي للجميع أن لا يتحججوا بصعوبة الظروف و شح الإمكانيات بل يحاولوا الإبداع بما هو متاح لديهم في بيوتهم و محيطهم، يستغلونه بشكل جيد في الترفيه عن أبنائهم و إشباع حاجاتهم الفطرية من اللعب و اللهو البريء. و أقول لهم إذا بقينا ننتظر توفر الإمكانيات و تحسن الظروف سيكبر أبناؤنا و في قلوبهم غصة الحرمان من حقهم في اللعب و اللهو و التمتع بطفولتهم كما يحبون .. و على مر السنوات بعدها كانت الإبداعات تتوالى تتدفق من رحم قلة الإمكانيات، و في كل مرة تأتي ثمارها بإذن ربها رائعة فوق كل التوقعات ليس في اللعب فقط بل حتى في تعليمهم أشياء كثيرة و في غرس قيم و مثل سامية بأقل التكاليف .. فلا تنتظروا الحلول السحرية و لا الأحلام الوردية .. من أجل فلذات أكبادكم أبدعوا من الآن و دوما في حدود الإمكانيات ..
Comments
RSS feed for comments to this post