إن ديننا دينُ علمٍ، لا يُعبَد الله فيه بالجهل و لا بالتقليد الأعمى، و لا يقول فيه المسلم عند السؤال: ((رأيت الناس يقولون شيئًا فقلته))[2]، بل المقرر فيه أن: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم))[3]، و معناه أن كل ما وجب على المسلم عمله، وجب عليه أن يتعلم أحكامه التي لا يصح إلا بها، فعلى الجميع أن يسعى لتعلم أحكام الصيام و آدابه و مستحباته؛ ليؤدي صيامه على أكمل الوجوه، و على أن يتعلم نواقضه و مكروهاته ليتجنبها.
و على العلماء و الدعاة و القادرين من أئمة المساجد أن يُعلِّموا الناس تلك الأحكامَ و الآداب؛ فإن العمل بالجهل قد يتسبب في رد العمل؛ قال صاحب الزبد:
وكل من بغير علم يعمل
![]() أعماله مردودة لا تُقبَلُ
![]() ![]() ![]() |
و على العلماء و طلبة العلم و الخطباء و المذكِّرين أن يتكلموا في الأمور المتفق عليها و الواضحة و بينة الأدلة، و يتجنبوا الخوض في المسائل الغامضة و ذات الخلاف الشائك، بل يَدَعُوا ذلك لأهل العلم القادرين على اختيار الأصح من مسائل الاجتهاد، فَرَحِمَ الله امرأً عَرَفَ قدر نفسه.
عباد الله:
كما أن الجهل قد يَحُول بين المسلم و بين الاستفادة من رمضان و ما فيه من الأعمال الصالحات، و في مقدمتها الصوم، فهناك أمور أخرى تحول دون الاستفادة منه؛ منها: الإصرار على الذنوب؛ قال الله تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ [المطففين: 14، 15].
1- و أخبر النبي صلى الله عليه و سلم كما في حديث حذيفة عند مسلم بأن المصر على ذنوبه: ((لا يعرف معروفًا، و لا ينكر منكرًا، إلا ما أُشرب هواه))[4]، فالقلب المغلَّف بران الذنوب لا يستفيد من رمضان، و لا ما فيه من الخير حتى يُغسَل عنه رانه، و ذلك بالتوبة النصوح؛ قال صلى الله عليه و سلم: ((إن العبد إذا أخطأ خطيئةً، نُكِتَتْ في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع و استغفر و تاب، صُقل قلبه، و إن عاد زِيد فيها حتى تعلو قلبه؛ و هو الران الذي ذكر الله؛ ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]))[5].
فعلى المسلم أن يتفقد نفسه و يعرف ذنوبه، ثم يتوب منها ذنبًا ذنبًا، فيدخل رمضان بقلب صافٍ.
2- و من الموانع من قبول الأعمال، و الاستفادة من نفحات رمضان: الأحقادُ و البغضاء، و المشاحنات و الهجر و القطيعة؛ قال صلى الله عليه و سلم: ((تُفتَح أبواب الجنة يوم الاثنين و يوم الخميس، فيُغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلًا كانت بينه و بين أخيه شحناء، فيُقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا))[6]، فلنبادر بإصلاح ذات بيننا؛ ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 1].
و مما يُضيِّع على المسلمين الاستفادة من رمضان، ما يعده أهل الدنيا في الأسواق و غيرها، و أهل الإفساد في القنوات الفضائية من برامج مختلفة، تجتمع على هدف واحد؛ هو تفريغ رمضان من محتواه الروحي، و صد عما فيه من سبيل الخير، و صد الناس فيه عن العبادات إلى المعاصي و الشهوات، أو الملهيات التي لا فائدة فيها.
إن رمضان هذه السنة يختلف عن السنوات الماضية؛ و ذلك لأنه يأتي في ظل ظروف صعبة، و حالة معيشية متدهورة، و علينا أن نُعِدَّ لذلك العُدَّة من جوانب:
الجانب الأول:
تعويد أنفسنا و أسرنا و ترويضها و تعويدها على الاقتصاد و القناعة، و حسن التصرف مع متطلبات رمضان، و ذلك باختصار ما أمكن من المصاريف و المتطلبات الكمالية التي لا لزوم لها، و لا يترتب على تركها ضرر و لا نقصان مؤثر، حتى لا نُغْرِقَ أنفسنا في الديون، أو نعرضها لذل السؤال، و مِنَنِ المحسنين، و اليد العليا خير من اليد السفلى، بل إن ذلك الاقتصاد المتفق عليه بين أفراد الأسرة يجنبها الوقوع في المشاكل العائلية.
الجانب الثاني:
الجود و الإحسان: فرمضان شهر الجود و الإحسان، و من حِكَمِ الصوم أن يشعر الصائم بمعاناة الصائمين؛ ليعطف عليهم و يرفق بهم؛ قال الشاعر:
جاعت بطون المترفين
![]() فقدروا ألم الجياعِ
![]() فامتدت الأيدي إلى
![]() المحتاج تنضح بالمتاعِ
![]() |
و لذا يقول ابن عباس: ((كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أجودَ الناس، و كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، و كان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فَلَرَسُولُ الله صلى الله عليه و سلم أجود بالخير من الريح المرسلة))[7].
الجانب الثالث:
المواساة، و هي أن نستشعر حاجة و فَاقَةَ و ألمَ مَن حولنا مِنَ الناس، ثم نحاول أن نخفف عنهم من ذلك.
[1] 21/ شعبان / 1429هـ، مسجد خالد بن الوليد.
[2] جزء من الحديث المشهور في عذاب القبر، وهو في البخاري 1/ 44 برقم: 86، مسلم 2/ 624 برقم: 905.
[3] رواه ابن ماجه 1/ 81 برقم: 224، وغيره، وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم: 3913.
[4] رواه مسلم 1/ 129، رقم: 144.
[5]رواه الترمذي 5/ 434 برقم: 3334 من حديث أبي هريرة، وقال: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، ورواه غيره، وحسنه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم: 1670.
[6] رواه مسلم 4/ 1987، برقم: 2565.
[7] رواه البخاري 1/ 6 برقم: 6، مسلم 4/ 1803 برقم: 2308.