تحدث مالك بن نبي عن المجتمع الفعال و المجتمع غير الفعال..."،"و جاء ما يلي علي لسان محمد شاويش " المجتمع النهضوي هو مجتمع سلوك أفراده نهضوي، و المجتمع المنحط حضارياً هو مجتمع سلوك أفراده منحط حضارياً."
مقتطف من مقالة الدكتورة رغداء زيدان بعنوان "مالك بن نبي و الوضع الراهن"المنشور حديثا في موقع نظرات مشرقة
أنطلق من تجربتي الذاتية لأذهب إلي صلب الموضوع "ادركت باكرا مفهوم الفاعلية عندما عشت في بيئة أسرية تسمح لي بتنفيذ أفكاري علي أرض الواقع، و هكذا تجسدت نيتي الخيرة إلي افعال في واقعي اليومي، لم أكن أصطدم بممانعة أو رفض من والدي رحمه الله بل كان يشجعني علي تجسيد ما أؤمن به في يومياتي." و هذا السلوك العملي جعلني فاعلة في محيطي باكرا و عند عودتي النهائية إلي ارض الوطن في 3 جويلية 1987 و رسوبي في إختبار البكالوريا، لم يمنعني فشلي من مواصلة رحلة الفاعلية بل قمت بفحص احوال المجتمع الجزائري و أول ما لفت إنتباهي : عدم فاعلية هذا المجتمع الذي كان يعيش علي هامش قضايا كبري مثل الإنبعاث الحضاري لأمة الإسلام و كيف ينتقل من فترة التبعية الحضارية للغرب لمرحلة الفاعلية الحضارية المتجاوبة مع خصوصيته العقائدية و التاريخية.
في نهاية الثمانينات كانت ترد علي بالي أسئلة مثل :
ما الذي يجعل المسلم الجزائري يعيش بهذا القدر من الروح الإنهزامية لا أثر لرسالته الدينية و الحضارية في واقعه المعاش و إن تحرك كي يخرج للتظاهر بشكل عنيف، غير قادر علي بلورة رؤية للخروج من عنق الزجاجة ؟
لماذا الجزائري لا يسعي للعيش وفق قيمه الإسلامية و السعي إلي فعل الخير و النهوض بنفسه و بمجتمعه حضاريا ؟
كان كل شيء حولي يشي بنوع من الركود أو لنقل نوع من التهرب من المسؤولية الذي دفع المسلم الجزائري إلي تحميل مسؤولية تخلف و إنحطاط مجتمعه إلي جهة واحدة مبرأ نفسه و معتبرا إياها ضحية و تغافل عن هذه الحقيقة البديهية : ترتبط فاعلية مجتمع أولا و أخيرا بإرادة الفرد المتبصرة، فإن لم ينقذ نفسه بنفسه ليس في وسع أحد إنقاذه و متي وعي بضرورة تفعيل وجوده الرسالي، فليس هناك ما يمنعه من التحرك الإيجابي و ضم جهده لجهود المجتمع الواعي ككل."بينما ما عايشته عن قرب غياب الوعي الرسالي و الرؤية المتبصرة التي تتيح للفرد و الجماعة الإنتقال من الجمود و اللافاعلية إلي طور التململ و التوجه إلي تفعيل الإيمان التوحيدي عبر ثقافة الفعل المخلص.
و الوضع الذي وقفت عليه عند عودتي النهائية إلي أرض الوطن في 1987 هو نفسه اليوم في 1442ه الموافق ل2021 ميلادي. فالوعي الجمعي لمجتمعنا لم يتخطي بعد مرحلة اللافاعلية و المحاولات المحتشمة التي ظهرت في أماكن متفرقة و متباعدة لا تمثل بعد ذلك المد الواعي الذي يبشر بقرب نشوء مشروع حضاري يتميز بفاعلية قصوي و قد لمسنا عن قرب كيف أن حراك 22 فبراير 2019 كان عبارة علي إحتجاجات و تعبير عن سخط عام للإنسداد السياسي و فساد طبقة حاكمة لكن في المقابل هذا الحراك الجزائري لم يأتي ببرنامج نهضوي يلتف حوله جميع أبناء الشعب....
علي خلاف ذلك لا تزال شرائح كاملة من المجتمع تعاني من التخلف و عدم الوعي و لم يرتقي فهمها بعد إلي ذلك المستوي الذي يخولها تحرير نفسها و صنع مصيرها بالإستناد إلي مرجعية عقائدية و صيرورة حضارية ترسخ إنتماءها إلي الإسلام دينا و حضارة.
ألم يقل مالك بن نبي رحمه الله "إنني أؤمن بالحضارة علي أنها حماية للإنسان لأنها تضع حاجزا بينه و بين الهمجية."؟
فكيف بنا نحن اليوم مفعول بنا و ليس فاعلين ؟
فمن دون تفعيل بطارية الإيمان و إعتماد لغة الفاعلية أي تطليق التواكل و الكسل و الخمول و إعمال عقولنا و النظر في الآيات و تدبر مخارج لنا من حالة التخلف و الإنحطاط، لن تحدث المعجزة.