و نحن نتجه إلي مكتب نرجس، إستمعنا إلي نبذة عن حياة مؤسسة هذا المعهد العلمي لدراسات علوم الدين للبنات، هنا في إيران و في مشهد بالذات، المسلمين يتبرعون لتثقيف و تعليم جيل مسلم لغة القرآن الكريم و علوم دينه بينما في بلدي الجزائر و في العصر الحديث، التبرع شحيح و يتجه في معظمة لبناء مساجد، كيف نحصل علي جيل مسؤول و واع بطبيعة الصراع الحضاري القائم إلي قيام الساعة و نحن نتعامل مع العلم الشرعي و الدنيوي بمنظار متخلف جامد ؟
وصولنا إلي معهد دراسات العلوم الشرعية رافقه إستقبال حافل من القائمات عليه و الطالبات الكريمات، الإبتسامات المشرقة و تحية الإسلام الرائعة و ذلك الشعور المفعم بالأخوة في الله إحتضننا من أول لقاء.
صعدنا طابقين لنزور المكتبة و هناك كانت تنتظرني و أختي أمال مفاجأة من أروع ما يكون، إستقبلتنا طالبة جزائرية مسجلة في النظام الداخلي للمعهد، أرمز لها بإسم كنزة، حينما أخبروها بجنسيتنا، طارت فرحة، ضمتنا بكل محبة و أخوة و كانت لحظات جد مميزة.
المشرفات علي المعهد سمحوا لنا بالبقاء صحبة كنزة حفظها الله، هذا و قد حييت باللغة الأندونيسية الطالبات الأندونيسيات المسجلات في النظام الداخلي أيضا و كم سعدنا بسماع لغتهن من أخت لهن جزائرية.
إنها لحظات خالدة تنقش في ذاكرة المرء إلي الأبد. دار حديث شيق بيننا و بين أختنا كنزة، فهي سعيدة جدا بطلبها للعلم الشرعي في معهد مكتب نرجس بمشهد، و هي تتشوق لخدمة دينها و السير علي خطي رسول الحق عليه أفضل الصلاة و السلام و آله الأطهار.
سألتنا كنزة عن الجزائر، فهي تشتاق إلي الوطن هذا الكنز الذي لا تستقيم الحياة بدونه. وجهت لنا دعوة بتناول مشروبات و مرطبات. زرنا متحف داخل المعهد الذي هو عبارة علي عمارة ذات عدة طوابق، عامل الزمن كثيرا ما يتكثف في السفر، أشعر أحيانا أنني أجتاز أبواب و مسافات في لحظات قصيرة أذهب إلي أناس لا أعرفهم و لا يعرفونني و ما أن يتم اللقاء يغمرنا إحساس بالأخوة في الله غير قابل للوصف.
أقيم لنا حفل صغير، جلسنا في قاعة المحاضرات، المكان كان موحيا بفسيفساءه و ألوانه الهادئة، إستمعنا لأنشودة رائعة حول آل بيت رسول الله عليهم السلام، قدمتها لنا مجموعة أخوات اندونيسيات بلغة عربية من أروع ما يكون.
ثم تفضلت أخت تونسية شاعرة في الوفد التونسي بإلقاء شعر حول آل البيت الأطهار رضوان الله عليهم. كنت أستمع و أتأمل وجوه الفتيات من جنسيات مختلفة يجمعهن حب الدين و حب رسول الحق و آله الكرام عليهم أفضل الصلاة و السلام، في تلك اللحظات أدركت بأسي و ألم كيف نبل المشاعر و الحب الصادق لله تعالي و لرسوله الكريم عليه الصلاة و السلام وقع طمسه في القلوب و العقول، و عوض أن نعتصم بحبل الله فرقنا متاع الدنيا الزائل و ذلك التعصب الأعمي للرأي و العناد في الباطل.
لحظة المغادرة كانت دقيقة، فأختنا كنزة ودعتنا علي أمل لقاءنا في الجزائر إن شاء الله، تركنا لها رقم نقال سفيرنا الأستاذ أحريز و تبادلنا أرقام هواتفنا علي الواتساب و الفايبر و بإبتسامة كلها محبة و أمل حيينا بعضنا البعض و شكرنا للأخوات الكريمات في المعهد ضيافتهن الرائعة.
و نحن في طريق العودة، أخبرتنا اختنا الكريمة أم أحمد بأن الأيام الأخيرة سنقضيها بين المحلات بقسميها الفاخر و الشعبي و في ضيافة رئيس بلدية مشهد و الختام يكون بحفل توزيع شهادات النجاح علي المشاركات في الدورة التعليمية السابعة لشجرة طوبي.
في تلك الليلة، أنهيت وجبة العشاء و عوض أن أصعد إلي جناحي، جلست بعض الوقت مع أخواتي الشاميات الكريمات. كوني كنت أريد الإستماع إلي أخبار سوريا من الداخل، و كوني تربيت علي قبول الرأي الآخر و الرأي المخالف، فكنت مستعدة لأصغي إلي أخواتي في الله السوريات.
الوفد السوري كان يمثل الدولة السورية أي نظام الرئيس الأسد، فقد بادرت أخت سورية عزيزة بسؤالي حول موقفي مما يجري في بلدها.
كنت واضحة، نظام الأسد ليس بالنظام الكامل و قد إرتكب مفاسد و حكمه تضمن العديد من التجاوزات و لا بد من التغيير. هذا و شرحت أمر أريد للقراء الكرام أن يقفوا عليه مليا، كلنا تعاطفنا مع مطالب الشعب السوري و تضامنا مع حركة الإحتجاج التي قادتها شرائح من المجتمع السوري لكن تحول المعارضة السلمية إلي معارضة مسلحة و إنقسامها و تشرذمها و تناحرها، كان بمثابة إبطال لشرعية المعارضة السورية خاصة منها المتمركزة في الخارج، فالإستعانة بوكالة المخابرات الأمريكية و تسول السلاح من وزارة الدفاع الأمريكي أعده شخصيا بمثابة الخيانة لطموح الشعب السوري في العيش حرا و توقه لحل مظالم السلطة السياسية وفق رؤيته السلمية بعيدا عن المواجهة المسلحة و التي سيستغلها الفاسدين في نظام البعث للإجهاز علي الضعفاء من الشعب السوري المكلوم و هذا ما وقع بالفعل علي الأرض.
أن نقابل ظلم و فساد سلطة سياسية بسفك الدماء و نتعامي علي قدرة نظام الحكم المضاعف في البطش و التجبر و الطغيان ما هو إلا فتح باب فتنة لن ينغلق إلا بعد ما يتحول الوطن إلي أطلال و ركام حجر و مقابر في كل مكان و أرض مقسمة، مبعثرة، فماذا جنينا من حمل السلاح في سوريا و اليمن ؟ سوي الدمار و تقاتل مجنون.
Comments
RSS feed for comments to this post