إسلامياتمع قلم الأستاذة كريمة عمراوي

عظم كلمة التوحيد

بقلم الأستاذة كريمة عمراوي

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين محمد و على آله و صحبه و بعد:

في شرحه لكتاب التوحيد يقول الشيخ الدكتور إبراهيم بن عامر الرحيلي:” للبخاري و مسلم من حديث عتبان( إنّ الله حرّم على النار من قال لا إله إلاّ الله يبتغي بذلك وجه الله) يقتضى أنّه لا يعذب، هذه الكلمة ليست مجرّد قول، و إلاّ المنافقون يقولون لا إله إلاّ الله، أن يقولها بلسانه موقنا بها قلبه، و ينقاد بجوارحه لذلك، أول ما يبدأ الإيمان ضعيف في القلب، ثمّ يقوى، و تظهر ثمرته على الجوارح، الله يخرج من النار أقواما لم يعملوا خيرا قط، هذا إيمان ضعيف لا يثمر شيئا من الجوارح.

“ يبتغي بها وجه الله” هذا هو الشرط، لا إله إلاّ الله مفتاح الجنّة، و المفتاح له أسنان، إذا قويت لا إله إلاّ الله في القلب، أثمرت الطاعات، و إذا قوي التوحيد في القلب أثمر الطاعات.

ليست مجرّد كلمة، أمّا من قال لا إله إلاّ الله و هو يبتغي بها وجه الله، و الابتغاء هو الطلب، و رضى الله، فلا بدّ أن يترك جميع المحرّمات، و يعمل جميع الطاعات. يبتغي أي يطلب بأعماله الصالحة وجه الله، هذا الابتغاء قد يكون تاما ، و قد يكون ناقصا، كما قال الشيخ بن تيمية رحمه الله تعالى:” إذا أتى بالواجبات، و ترك المحرمات يرجى له الخير و دخول الجنّة، أمّا إذا فرّط، و قصّر، و اعتمد على هذه الكلمة، و تمنّى على الله الأماني، فإنّه قد يدخل النار ابتداءا.

إذا قال هذه الكلمة و هو مستيقن، و هو خاضع، و لا ينقضها بشيء من الشرك، فهذه شروطها. هذه الكلمة العظيمة إذا حققها العبد علما و اعتقادا، و صدق فيها، و عرف ربه بأسمائه، و صفاته، و علم أنّه مستحق للعبادة، متفرّد بالربوبية، أحب هذه الكلمة، و كان فرحه بها أعظم من أي فرح، فلو مات من الجوع و العطش، و لم يجد ما يستر به عورته، و أكرمه الله أن يقول و يعتقد هذه الكلمة لم يضره ما فاته، فكيف و قد أنعم الله بهذه النعم، و أمدّهم بها، و هو يكلأ الناس بالنعم الليل و النهار، فهذا يستوجب شكر الله تعالى، من الذي هدى العباد إلى هذه الكلمة؟ و من الذي أرشدك إليها بعد أن حاد عنها الكثير من الخلق؟ الموحدون يوم القيامة في أهل الشرك كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، من المشركين  من هو أعظم شرفا و مالا، و عقلا من كثير من المسلمين، و لكن أكرمنا الله بهذه الكلمة، و هذا يستوجب زيادة المحبة لله عزّ و جل أن خصّك بهذه المنزلة، و شرّفك بهذا المقام العظيم، هذه الكلمة يقولها الناس و يتفاوتون في معناها، و العلم بها، يتفاوتون بالعمل بها، و الانقياد لها، يقولها بلسانه و هو جاهل بمعناها، و له من الأجر بحسب ما اعتقد منها، لكن إذا قاله و هو يعلم ربه، و يعلم التوحيد، و هو يعلم لا إله إلا الله متيقنا بها، منقادا لها،فهذا بمنزلة عظيمة عند الله عزّ و جل.

 جاء عن الإمام أحمد رحمه الله ، من حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم:( إنّ نبي الله نوحا عليه السلام لمّا  حضرته الوفاة قال لابنه: إنّي قاص عليك الوصية، آمرك باثنتين، و أنهاك عن اثنتين، آمرك بلا إله إلاّ الله فإنّ السموات السبع، و الأرضين السبع لو وضعت في كفة ، و وضعت لا إله إلاّ الله في كفة، رجحت بهن لا إله إلا الله .) و هذا إسناد صحيح. التنبيه لرجحانها بجميع المخلوقات، هذا من حيث الأصل، لكن الكثير ممن يقولها يخف ميزانه؛ لأنّه لم يعمل بمقتضاها، ليس كل من قالها عالما بها، ليس كل من قاله منقادا لها، و لهذا للأسف أنّ الكثير من المسلمين يقولونها اليوم وهم إن شاء الله صادقون مخلصون، ولكن إن سألتهم عن العمل، و فتشت عن عبادتهم وجدتهم يشركون مع الله تعالى، ليس عن عناد و كبر، و لكن عن جهل، ظنّوا أنّ الشرك أن يعتقد أنّ لله شريكا في الخلق، أمّا العبادة قالوا نحن نتوسّل بالصالحين، و هذه حجة المشركين. ما الذي جعل الكثير من المسلمين يعرض عن هذه الكلمة؟ الجهل، أين توحيد العبادة هذا التوحيد الذي قام عليه القرآن من أوله إلى آخره؟ توحيد الأسماء و الصفات؟ و لهذا تسلّط أعداء الإسلام على هذه الأمّة، يسومونها سوء العذاب، و يذلّونها ، مع هذه الكثرة الكاثرة، ولكن ببعدهم عن دينهم، وعن التوحيد تسلّطوا عليهم، لا ينبغي أن نبتعد عن الأسباب الحقيقية لهذا الذّل بدعوى تفوّق الكفار، هم أحقر على الله من أن يسلّطهم بشركهم على المسلمين عبدة الطاغوت، من يقول أنّ الله ثالث ثلاثة، كيف تكون لهم زعامة على المسلمين، لو أنّ في المسلمين من يوافقهم في عقائدهم، في المسلمين من يسب ربّ العالمين، فيهم من يعبد غير الله، فيهم من يلجأ إلى غير الله، ليست العبرة أن يتسمّى بعبد الله و عبد الرحمان، و لكن العبرة في الصدق، لو صدقنا مع الله؛ لكانت الأمة تنصر بدعاء رجل صالح، يدعوا الله، يقسم على الله أن يمكّنهم من أعدائهم فيمكّنهم، أين دعاؤنا و أين عبادتنا؟ أمّة تدعوا الله عزّ و جل، تتوجه إلى الله، هذا دليل وجود خلل، و الله لا يخلف وعده، و لكن الخلل منّا، و التقصير منّا { إن تنصروا الله ينصركم}ّ{ و كان حقا علينا نصر المؤمنين} هذا هو السبب الحقيقي، سبب ضعفنا، فإذا حقّق المسلمون “لا إله إلاّ الله” و عبدوا الله و توجهوا إلى الله، مكّنهم، و أعاد لهم عزّهم و شرفهم.” هذا و الله أعلم و صلّى الله على محمد و على آله و صحبه و سلم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى