نظرات مشرقة

عطلتنا في بونشاك Puncak

بقلم عفاف عنيبة

 

 

في مطلع الصيف، سافرنا عبر السيارة هذه المرة إلي أعالي التلال بونشاك الباردة و المنعشة حيث إستأجرنا بيت صيفي.

كانت الرحلة جد رائعة، طوال الطريق المدفوع الأجر، لم نجد صعوبة في تتبع اللافاتات المؤدية إلي قرية التلال و إلي المنعرجات الجبلية التي يقع علي أحد منحدراتها البيت. كان الطريق السيار في حالة جيدة و أما الطريق القروي فقد كان حسن أيضا، لا حفر و لا ذهاب للزفت و لا شيء مما نجده في بلاد النفط و الغاز الجزائر.

بيتنا الصيفي كانت واجهته أمريكية الديكور باب خشبي منخفض نفتحه علي مصراعيه ثم نسير في طريق مزفت محفوف بالخضرة و أشجار الخيزران و في نصف الطريق إستقبلنا البستاني و إبنه.

نزلنا من السيارة أنا و إخواني لنقفز فرحا بالمكان.

كان البيت مؤثث بشكل جميل و عملي.

وضعنا حقائبنا في مدخل البهو الرئيسي و مضينا إلي المسبح و إلي حقل الأرز و سعدنا بوجود أرجوحة موضوعة تحت نوافذ غرفنا.

كانت الأيام الأولي عبارة علي إكتشاف للمكان، و علمنا من أبانا أننا سنمضي عيد الأضحي هناك و أنه سيذهب مع البستاني لشراء خروف في مزرعة بالقرية.

إنتظرنا بفارغ الصبر مجيء الخروف و عند حضوره، فرحنا به و لعبنا معه علي عشب الحديقة …مع العلم أن والدينا بارك الله لنا فيهما قاما بتحذيرنا “لا تتعلقوا بالخروف، سوف يذبح طبقا لتعاليم ديننا و لا نريد منكم معارضة.”

وافقنا، و قررت مع إخواني التقليل من اللعب مع الخروف. كنا نمضي ساعات في السباحة و اللعب رياضة التنس. و بعد أسبوع أخذنا والدينا الكرام في نزهات خارج البيت و الحديقة، صعدنا التلال و إتجهنا ناحية حقول الشاي و كانت نزهات جميلة جدا. فلا وجود لسيارات و لا لدراجات نارية، كان مسموح فقط للخيول و الدواب بالسير في الدروب الترابية المحفوفة بالأخضر.

و في يوم آخر، نزلنا إلي فندق حيث تناولنا وجبة الأرز بالدجاج و المرق المحضر بطريقة خاصة.

و في صبيحة و نحن نتناول الفطور سئلنا أبي رحمه الله :

-هل تريدون ركوب الخيل ؟

-طبعا. صرخنا بصوت واحد.

-جيد، سأقوم بإستجار ليوم كامل ثلاثة أحصنة، سوف تتعلمون ركوب الخيل و بعدها نترككم تتجولون عليها.

و هذا ما جري، كل حصان كان مرفوق بمدرب، أحمد الله أنني كنت الأسرع في تعلم الصعود علي ظهر الحصان و الإستواء عليه و التجول كما يحلو لي و قد كان جواد هاديء و عند ركضه لم أتفاجأ بذلك.

أمضينا يوما حافلا  صحبة خيولنا الثلاث و في اليوم التالي جاء إلي البيت الصيفي بائع أرانب، فإشتري لنا والدي رحمه لكل واحد منا ارنب. لعبنا كفاية مع الأرانب ثم سلمناهم للبستاني و لم نسأل بعدها عن مصيرهم.

أيام بعد ذلك، كنا علي طاولة الغداء فسأل أخي عن أرنبه، ساد صمت مطول و عند خروجنا من الطاولة ألح أخي في سؤاله عن الأرنب.

فجاء رد والدتي بارك الله لنا فيها صاعقا :

-يا إبني الأرنب مات و هو الآن في بطنك فقد طبخته و جعلت منه حساء خفيف.

كانت ردة فعل أخي التأثر البالغ و أقسم بأن لا يتناول لحمة طوال إقامتنا في البيت الصيفي.

في الأسبوع ما قبل الأخير زارتنا صديقة العائلة سيدة الأعمال الأندونيسية و أتحفتنا بهدايا ثمينة و لم أصدق عيناي عندما أهدتني قلم حبر من ذهب خالص.

-إنه لك عفاف حافظي عليه و أكتبي به قصصك. قالت لي السيدة أليشا…

للأسف عندما عدت به إلي الجزائر، سرق مني ذلك القلم الثمين.

كانت عقارب الساعة تدور بسرعة كبيرة و عند المغيب كان ينزل بنصف ساعة ضباب جميل يغطي كل شيء فكنا نقف في شرفات البيت لنمد أيدينا و نلمس زخات الضباب و المطر الآت…

عند مغادرتنا للمكان بعد شهر رائع…ودعنا البستاني و عائلته و بعض الريفيين ممن تعاملنا معهم طوال إقامتنا و الحزن يعتصرنا، كنا نعلم أننا كنا محظوظين فوق العادة، فعطلة مثل تلك التي أمضيناها في أعالي تلال بونشاك غير قابلة للتكرار و أننا سنحملها كذكري جميلة جدا في ذاكرتنا للأبد و إلي حد الساعة لازلت محتفظة بصور إقامتنا هناك…كلما اريد أسترجع تلك العطلة الساحرة أخرج الصور لأتأملها.

 

لله الحمد علي نعمه…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى