في مطلع الصيف، سافرنا عبر السيارة هذه المرة إلي أعالي التلال بونشاك الباردة و المنعشة حيث إستأجرنا بيت صيفي.
كانت الرحلة جد رائعة، طوال الطريق المدفوع الأجر، لم نجد صعوبة في تتبع اللافاتات المؤدية إلي قرية التلال و إلي المنعرجات الجبلية التي يقع علي أحد منحدراتها البيت. كان الطريق السيار في حالة جيدة و أما الطريق القروي فقد كان حسن أيضا، لا حفر و لا ذهاب للزفت و لا شيء مما نجده في بلاد النفط و الغاز الجزائر.
بيتنا الصيفي كانت واجهته أمريكية الديكور باب خشبي منخفض نفتحه علي مصراعيه ثم نسير في طريق مزفت محفوف بالخضرة و أشجار الخيزران و في نصف الطريق إستقبلنا البستاني و إبنه.
نزلنا من السيارة أنا و إخواني لنقفز فرحا بالمكان.
كان البيت مؤثث بشكل جميل و عملي.
وضعنا حقائبنا في مدخل البهو الرئيسي و مضينا إلي المسبح و إلي حقل الأرز و سعدنا بوجود أرجوحة موضوعة تحت نوافذ غرفنا.
كانت الأيام الأولي عبارة علي إكتشاف للمكان، و علمنا من أبانا أننا سنمضي عيد الأضحي هناك و أنه سيذهب مع البستاني لشراء خروف في مزرعة بالقرية.
إنتظرنا بفارغ الصبر مجيء الخروف و عند حضوره، فرحنا به و لعبنا معه علي عشب الحديقة …مع العلم أن والدينا بارك الله لنا فيهما قاما بتحذيرنا “لا تتعلقوا بالخروف، سوف يذبح طبقا لتعاليم ديننا و لا نريد منكم معارضة.”
وافقنا، و قررت مع إخواني التقليل من اللعب مع الخروف. كنا نمضي ساعات في السباحة و اللعب رياضة التنس. و بعد أسبوع أخذنا والدينا الكرام في نزهات خارج البيت و الحديقة، صعدنا التلال و إتجهنا ناحية حقول الشاي و كانت نزهات جميلة جدا. فلا وجود لسيارات و لا لدراجات نارية، كان مسموح فقط للخيول و الدواب بالسير في الدروب الترابية المحفوفة بالأخضر.
و في يوم آخر، نزلنا إلي فندق حيث تناولنا وجبة الأرز بالدجاج و المرق المحضر بطريقة خاصة.
و في صبيحة و نحن نتناول الفطور سئلنا أبي رحمه الله :
-هل تريدون ركوب الخيل ؟
-طبعا. صرخنا بصوت واحد.
-جيد، سأقوم بإستجار ليوم كامل ثلاثة أحصنة، سوف تتعلمون ركوب الخيل و بعدها نترككم تتجولون عليها.
و هذا ما جري، كل حصان كان مرفوق بمدرب، أحمد الله أنني كنت الأسرع في تعلم الصعود علي ظهر الحصان و الإستواء عليه و التجول كما يحلو لي و قد كان جواد هاديء و عند ركضه لم أتفاجأ بذلك.
أمضينا يوما حافلا صحبة خيولنا الثلاث و في اليوم التالي جاء إلي البيت الصيفي بائع أرانب، فإشتري لنا والدي رحمه لكل واحد منا ارنب. لعبنا كفاية مع الأرانب ثم سلمناهم للبستاني و لم نسأل بعدها عن مصيرهم.
أيام بعد ذلك، كنا علي طاولة الغداء فسأل أخي عن أرنبه، ساد صمت مطول و عند خروجنا من الطاولة ألح أخي في سؤاله عن الأرنب.
فجاء رد والدتي بارك الله لنا فيها صاعقا :
-يا إبني الأرنب مات و هو الآن في بطنك فقد طبخته و جعلت منه حساء خفيف.
كانت ردة فعل أخي التأثر البالغ و أقسم بأن لا يتناول لحمة طوال إقامتنا في البيت الصيفي.
في الأسبوع ما قبل الأخير زارتنا صديقة العائلة سيدة الأعمال الأندونيسية و أتحفتنا بهدايا ثمينة و لم أصدق عيناي عندما أهدتني قلم حبر من ذهب خالص.
-إنه لك عفاف حافظي عليه و أكتبي به قصصك. قالت لي السيدة أليشا…
للأسف عندما عدت به إلي الجزائر، سرق مني ذلك القلم الثمين.
كانت عقارب الساعة تدور بسرعة كبيرة و عند المغيب كان ينزل بنصف ساعة ضباب جميل يغطي كل شيء فكنا نقف في شرفات البيت لنمد أيدينا و نلمس زخات الضباب و المطر الآت…
عند مغادرتنا للمكان بعد شهر رائع…ودعنا البستاني و عائلته و بعض الريفيين ممن تعاملنا معهم طوال إقامتنا و الحزن يعتصرنا، كنا نعلم أننا كنا محظوظين فوق العادة، فعطلة مثل تلك التي أمضيناها في أعالي تلال بونشاك غير قابلة للتكرار و أننا سنحملها كذكري جميلة جدا في ذاكرتنا للأبد و إلي حد الساعة لازلت محتفظة بصور إقامتنا هناك…كلما اريد أسترجع تلك العطلة الساحرة أخرج الصور لأتأملها.
لله الحمد علي نعمه…