الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين، و على آله و صحبه و سلم، و بعد:
في شرحه لكتاب التوحيد، يقول الشيخ إبراهيم بن عامر الرحيلي أستاذ العقيدة في كلية العلوم الشرعية بالمدينة المنورة:” { غدا أعطي الراية رجلا يحب الله و رسوله، و يحبه الله و رسوله} قالها صلى الله عليه و سلم عشية خيبر، الحديث في الصحيحين، هاتان الفضيلتان دلّ عليهما النص، و فضيلتان أخريتان لم يذكرهما الحديث، لكن مستلزم لهما، و هما؛ يحب المؤمنين، و يحبه المؤمنون، لأن دلالة اللزوم تدلّ على ذلك، و يدلّ عليهما حديث:{ ينادي منادي في السماء أنّ الله يحب فلانا فأحبوه…..} و علي يحبه المؤمنون، و يحب المؤمنين، فأمّا محبته للمؤمنين فإنه يحب أبو بكر، و عمر، و عثمان.
مشهد الكمال، و الإحسان يستلزمان محبة الله، من عرف كماله أحبّه، لأن النفوس مجبولة على محبة الكمال، أمّا مشهد الإحسان؛ فنحن نتقلّب في نعم الله تعالى، أمّا المخلوقات ما هي إلاّ أسباب.
{و يحب رسوله} لا يتحقق الإيمان إلاّ بها، محبة النبي صلى الله عليه و سلم تتقدم محبة النفس، و محبة كل قريب، و مبناها على الاتباع، و ليس على الغلو، ممتثلا لأمره، و مطيعا له صلى الله عليه و سلم.
{ و يحبه الله و رسوله} هذا جزاء محبة الله و رسوله صلى الله عليه و سلم، و المحبة صفة لله تعالى، و هي صفة فعلية، و هي من الصفات الثابتة لله تعالى.
قال صلى الله عليه و سلم:{ يفتح الله على يديه} تنافس الصحابة ليس من أجل الراية و لكن لصفات صاحب الراية، كما أنّ الصحابة عندهم حسن الظن بالله تعالى، و أنّ الله يحبهم، كل يرجوا أن يعطاها، فيه أيضا حسن الرجاء، و مباعدة القنوط، فالرجاء يحمل على بلوغ المنازل العالية، و القنوط يبعد عنها.
“فبات الناس يدوكون ليلتهم: أيّهم يعطاها. فلمّا أصبحوا غداو على رسول الله صلى الله عليه و سلم، كلّهم يرجى أن يعطاها. فقال:{ أين علي بن أبي طالب؟ فقيل: هو يشتكي عينه. فأرسلوا إليه، فأتي به: فبصق في عينيه، و دعا له، فبرأ كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية….”
ثم قال صلى الله عليه و سلم:{ فو الله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا، خير لك من حمر النعم} فيه شاهد، الله هو الذي يهدي هداية التوفيق، جائز أن يخلق ب: “كن” و يهدي ب: “كن”، لكن يهدي بالسبب، بالقرآن، بالدعوة، يهدي بالسنة، يهدي ببعض خلقه.
هذا في مقام الجهاد و يستحضر هداية الخلق، فكيف بالداعية ؟ رصيده الذي أعدّه لنفسه ” كم هدى الله بي ؟”، بعض الناس يقول:” أقيم عليهم الحجة، و يعذبهم الله”، يدعوا الداعي و هو يرجوا لهم الهداية، و هو سليم الصدر للمدعو، هذا له أثر عظيم في المنهج الذي يسلكه الداعية، من كان يحدّث نفسه بهداية الخلق، و أن ينقدهم الله بدعوته، هذا الذي ينظر إليه الموفق، من كان يحدث نفسه بهداية القلوب، و هي بيد الله، لكن يتمنى أن يكون سببا في ذلك، بعض الجاهلين يقول للمدعو:” أنا ما جئت إلاّ لنصحك، و إلاّ هجرتك، و حذرت منك، و فعلت، و فعلت” هذه دعوة مع تهديد، كيف تكون استجابة الناس مع هذا الخطاب ؟ وب عضهم يقول أنا أتيت لأقيم عليك الحجة، ثم ينزّل عليه الكفر أو التبديع.
يدعى الناس في القرآن و هم يرغبون في المغفرة، قال تعالى:{ قل اللذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} يتودّد إلى الناس في الخطاب، يخاطبون خطابا حسنا، و أن يهتدي الناس بدعوته، فيجري الله عليه عمل هؤلاء.
اليوم فتحت لنا أبواب عظيمة بسبب هذه الوسائل، يستطيع العالم أن يدعوا، يستطيع التاجر أن يدعوا، و الوجيه، العالم بعلمه، و التاجر بماله، و الوجيه بجاهه، و ربما طفل صغير ينقل كلام أهل العلم المسجل في مواقع إعلامية، لكن بشرط أن ينقل العلم من مصادره، و من العلماء المعروفين، الإعلام منبر يتلقى منه كل الناس، هذه منّة عظيمة، و توفيق من الله، يجب أن يستغل في طاعة الله.” هذا و الله أعلم و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم.”