“كان منذ صغره طفل جد فطن و غاية في الذكاء و هو بعد في السنوات الأولي من الإبتدائي كان يظهر إستعدادات ذهنية مذهلة، كانت مادة الحساب لديه لعبته المفضلة. و كان بالغ الحيوية لهذا سجلناه في عدة رياضات و مقارنة بإخوانه، كان يومه حافلا بالنشاط.
تمضي السنين و يوم بعد يوم يتأكد لدي الشعور بأن إبني في المكان الخطأ، كانت نتائجه جيدة لكن بحسب أحد أساتذته في الرياضيات “إنه يختزن طاقة هائلة و ذكاء حاد و لابد من التفكير جديا في الوجهة العلمية التي سيأخذها.”
كنت عندما أستمع إليه، أدرك بأن المنهج التعليمي ممل و لا يشجع التلميذ علي بذل كل وسعه من أجل طلب العلم. و كانت إدارة المدارس في الأطوار الثلاث تجعله يقفز أقسام لتقدمه علي أقرانه في كل المواد تقريبا و جاء اليوم الذي نجح في البكالوريا رياضيات، و من دون أن يخبرني و أباه، بحث هذا الإبن عن مسابقات منح في دول غربية و سجل نفسه في بعضها و إجتاز ثلاث مسابقات ليفوز بإحداها، و هكذا وضعنا أمام الأمر الواقع. كنا متقبلين فكرة إكمال دراسته العليا في الخارج، فقد كانت لديه العديد من المشاريع العلمية التي يستحيل عليه تنفيذها هنا في جامعاتنا.
غادر في يوم خريفي حزين و باشر في تسجيل نفسه في معهد علمي غربي، تفوق عام بعد عام و نال درجة الدكتورة في علم الفيزياء في تخصص أعجز عن ذكره لدقته. و إنتقل إلي ميدان آخر بنفس الحماس و الإجتهاد، عاد إلي ارض الوطن ليتزوج و إستقر مع عائلته في المهجر و من يومين ذكر لي ذكاء إبنه و كيف أنه ذكره بنفسه قائلا “هل تعرفي يا أمي العزيزة، عندما كنت في نفس عمر طفلي كنت أنظر بإحباط إلي الوسط المدرسي، و ها أنني اليوم في بلد ينمي إمكانات إبني بشكل مذهل، هنا لن يعيش عقدة التفوق و لا يشعر بالذنب الذي شعرت به ناحية زملائي. التعليم الذي لا يحفز ذكاء التلميذ و لا يطوره محكوم عليه آجلا أم عاجلا بالعقم، و بالرغم من كل شيء كنت محظوظ و هذا بفضل الله و بفضلكما أنت و أبي.”
إبتسمت للقريبة و لزمت الصمت.