الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين و على آله و صحبه، و بعد:
بقول الشيخ إبراهيم بن عامر الرحيلي أستاذ العقيدة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في شرحه لكتاب التوحيد:” لو الإنسان عاش مائة سنة، و ذبح لغير الله أو سجد لغير الله، و مات على هذا الشرك لدخل النار و العياذ بالله، و لو أنّ أهل البيت كلهم يموتون على التوحيد خير لهم من أن يعيشوا على الشرك، ليس العبرة أن يحيا الإنسان، لكن العبرة كيف يحي؟ هل يحيا على التوحيد و على الإيمان، أو يحيا على الشرك؟
العبرة بالاستقامة على الدين، المعصية قد ينتفع بها في الدنيا، قد يبني بمال الربا مسجدا، و هذا ليس دليل على صحة المعصية، و لكن هذا من باب ابتلاء الله لعباده، فكون الإنسان يشفى بالأمور الشركية؛ كأن يقول: حملت زوجتي، أو شوفيت من العقم بسبب ذهابي للمشعوذ، ليس بدليل على صحة هذا العمل، أن يموت الإنسان موحدا خير من أن يعيش ألف سنة مع الشرك، لأننا ما أمرنا أن نبقى في هذه الحياة، إنما أمرنا أن نموت مسلمين.
يتخلص المسلم من حب الرئاسة و الشهرة و ذلك بالنظر إلى العواقب، يقول تعالى:{تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا} الدار الآخرة جعلها الله لهؤلاء الذين لا يريدون علوا و لا فسادا في الأرض، إذا تأملّ المسلم ما عنده عند الله، و أنّ حب الرئاسة يقطعه عن هذه المنزلة، رغب فيما هو خير، و العز الحقيقي هو طاعة الله، ليس هناك عزّ و لا شرف و لا سعادة أعظم من طاعة الله عزّ و جل، و أي سعادة و عز و شرف طلبت بغير طاعة الله فهي موهومة، و لو رأيت أهلها يظهرون السعادة بها لكن لا يمكن للنفوس أن تكون مطمئنة و سعيدة إلاّ بطاعة الله، هذا هو العز الحقيقي، أن يكون الإنسان مطيعا لله قد تخلّص من أغلال العبودية لغير الله، و من أغلال المعاصي، و سجن الوحشة عن الله عزّ و جل، و أقبل على طاعة الله، منزلة عظيمة كما قال عزّ و جل( إن استعاذني أعذته، و إذا سألني أعطيته) له منزلة عند الله، إذا توكل عليه قضى حاجته،فأي شرف و أي منزلة، و أي جاه أعظم من هذه المنزلة، فمن أقبل على الله ترك الدنيا و الشرف فيها، رزقه الله ما هو خير؛ و هو شرف الدنيا و الآخرة.
الإنسان لا يملك هداية نفسه، كل واحد منّا يحب أن يكون أفضل عباد الله و أتقاهم، و لكن أين نحن من هذه الإرادة، نحن مقصرون، و مذنبون، و لكن نعلم أنّ هذه الهداية هي بتوفيق الله عزّ و جل، و هذه المنزلة لا يبلغها إلا من وفقه الله، قال بن قيم الجوزية:” و إنما نحن نصف حالهم، و نحن لم نشم رائحة هذه المنزلة” فكيف بحالنا اليوم من الجهل؟ يقول العلماء:”ما نعلمه كثير، و ما نعمله أقل القليل ممّا نعلمه، و ما يقبله الله أقل القليل مما نعمله.”لا يصفوا له من عمله إلاّ أقل القليل، و هذا مما يدل أن العلم وحده لا يكفي، و أن هداية الإرشاد وحدها لا تكفي، إلاّ أن يوفق الله عبده، و هذا ما يحمل العبد على الخضوع و الانكسار و الذل لله عزّ و جل أن يمنح عبده الهداية، و أن يهدي قلبه.
لا ينفعك يوم القيامة الزوج و الزوجة، و لا الأم و لا الأب، و لا الإبن{ كل نفس بما كسبت رهينة} لا يلتفت أحد إلى أحد، كل يعمل لشأن نفسه، لشأن الحساب، كل مشغول لهمّ نفسه، العاقل يعمل لهذا اليوم، يقول كان أبي على كذا، كان علماؤنا على كذا، العلماء لن ينفعوك، أبوك لن ينفعك{ لو اتبعت أكثر من في الأرض لأضلوك عن سبيل الله} النجاة تكون في أن يرجع المسلم إلى هذا القرآن و يحكمه على نفسه.
{ و إذ قال إبراهيم لأبيه و قومه إنني براء مما تعبدون إلاّ الذي فطرني} هذا معنى لا إله إلاّ الله، البراءة من كل ما عبد من دون الله، البراءة من الشرك و إخلاص التوحيد، يبرأ من الشرك كبيره و صغيره،ثمّ استثنى ربّه{ إلاّ الذي فطرني}، دخلت في ممّا تعبدون الملائكة، و الرسل، و الصالحين، و الأحجار و الأشجار، و هذا دليل أنهم كانوا يعبدون الله مع الشرك، كما أنه لا شريك له في خلقي و إيجادي، فإنه مستحق وحده للعبادة، لهذا كان الشرك من الظلم العظيم، الله تعالى هو المحسن الأول و الآخر، و المخلوقات واسطة فقط، يكلؤنا بالتوفيق الليل و النهار، و أمدّ لنا في الحياة و أمدّ لنا في الرزق، من الذي جعل في قلب أمك هذا الحنان، كيف تشكر غير الله؟ أوجدك من العدم، و بعد هذا تطلب التوفيق من غيره، و ترفع الحاجات لغيره، المشركون استحقوا العقوبة بالخلود في النار و العذاب، هل هذا المحسن أحسن بحوله و قوته، أم أحسن بتوفيق الله؟ و هو واسطة و سبب، ليس هناك عقول أضعف من عقول المشركين، استحقوا العقوبة عدلا من الله” هذا و الله أعلم و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم.