قضايا حضارية

مهارات التفكير الإنساني

بقلم دارين المساعد

من خلال قراءتي لكتاب ( بتفكيري أنا إنسان )  للكاتب المصري: حسين صبري  و الذي يتناول الكتاب مهارات التفكير العليا للإنسان، و هي التفكير النقدي و الإبداعي و صناعة القرار و حل المشكلات،خلصت إلى أنه..

لقد خلقنا الله بتكوين دماغي معقّد ليس فقط لأننا الكائن السامي في هذه الدنيا. بل لأننا خلفائه الموكلين بإعمار الأرض و بناءها. و هذا لا يكون إلا عندما نطرح الأسئلة بطريقة صحيحة و صحية. حيث نفعّل عمل الدماغ و التفكير و النتيجة تكون الاختراع و التطوير و الابداع. علمياً التفكير يفسّر بأنه المعرفة المنظمة التي تنقل الإنسان من المجهول الى المعلوم. و بدونها يلجأ إلى التقليد و الظن و الخرافة و الضلال  و الوهم و الجهالات.

عندما يتبلّد الدماغ و يستسهل الأفكار الجاهزة و يتقلب لوقت طويل داخل التبعيّة و مصفوفة الوعي الجمعي ينحدر الى مكانة حيوانية أو آلية لا تليق بالبشر و انسانيتهم.

أن لا نتقبل الأفكار الجديدة بسهولة و نقاومها بشراسة هذا أسلوبنا في الدفاع عن الاستقرار و مناطق الراحة. و انفتاح العقل على الآراء و التجارب يطور مهارة التفكير و يعزز من أساليب الإنتاجية. و لكن ماذا يحتاج الإنسان ليغير من توجه دماغه المرتاح في الروتين الاجتماعي و نقله إلى مرحلة التفكير الصحيح و تكوين الرأي و اختيار التوجّه و الهدف !؟

الحقيقة الثابتة أن العقل نعمة متساوية بين البشر. لكن قدرتهم على توظيفه و الاستفادة منه هي الحقيقة المجهولة. أن الغالبية العظمى من سكان الكرة الأرضية يعيشون ضمن المجموعات و بثقافة الاستئناس و التدجين حيث يقوم كل فرد بدوره و يرعى مصالح الآخرين دون وعي منه. و هذا هو مبدأ المجتمع. حتى التحرك و التنفس داخله يجب أن يتفق مع الآخرين و يتوافق مع أفكارهم و هذا لا ينفي أهمية النظام لكن يقلل من اهمية العقل البشري و يهدم الإنسانية، إذن ما هو السلوك المُعبر عن الإنسانية إن لم يكن بناء المجتمعات ؟

الأسئلة هي التي تحدد تفكيرك و منهجيته ! قبعة التفكير تضع لك النقاط الأولى حيث ترسم بعدها الصورة كاملة و تتحرر من أمامك اللقطة من الضبابية و الحقائق المفبركة.

هذا يعني كيف تصيغ سؤالك الأول تبعاً للون قبعتك !  تعلّم مهارة صياغة السؤال بمعرفة أي الألوان ترتدي ! هل تفكر بالعاطفة، بالحيادية، بالايجابية و التفاؤول، بالسلبية و النقد، أما بالإبداع و التفكير المنطلق فوق الحدود.

معرفتك بأي قبعة تسير و كيف تبدّل بينهم يدلك على أن التفكير مهارة قابلة للتعلم و الاكتساب، خاضعة للتدريب و الممارسة. نستطيع الاستفادة من نتائجهاًً، و من خلالها تتطور إلى امتلاك الكثير من مهارات التفكير العليا. يقول ماسلو : الأعمال العظيمة بحاجة الى العمل الجاد و التدريب الطويل المتقن. المجتمعات ليست خيبات إلا إن عاش أفرادها داخل دائرة المقارنة و أنشأ كلاً منهم سياج مادي و أطاح بالسياج الأخلاقي.

تساؤل آخر سأجيبك عليه يخص المعرفة و التعلم لأنك بالتأكيد شاهدت أشخاص على درجة علمية مرتفعة بدون مخزون لغوي و مهارات حوار و قدرة على توظيف المعلومات و السبب أنهم يعيشون ضمن الواقع المتتابع و المحدود لم يتم تقليب المعرفة في عقولهم بين مهارات التفكير للخروج بالفكرة الإبداعية.

و تبعاً لمستويات التفكير يمكن الخروج بأفضل نتيجة عند معرفة الفروق بينها و الذي يبدأ بالمستوى الحسي المعتمد على المراقبة و التحليل. أما المستوى التصوري يبني روابط بين المشاهدات و الأحداث لخلق النتائج. و الأخير هو المستوى المجرد الذي يصل بكل ما سبق الى المفاهيم و القناعات و القيم و تحديد الاتجاهات المساهمة البناءة  لاسعادك و اسعاد من حولك.

كن واعياً أن التفكير يتأثر بالميول و التوجه و العواطف و يتدخل كثيراً في النقاش و الفهم و تحديد المواقف و الأحكام تجاه الأشياء و الأشخاص. و كلما كانت مهارتك أعلى استطعت توسيع نظرتك. لذلك لا تعتبر آراءك و آراء الآخرين حقائق و تقف عندها. الآراء متغيرة تبعاً للزمان و المكان. ارفع المشهد الى بُعد آخر حتى لا تختلط أفكارك بين الاستناد على حقيقة و عرض رأي و مناقشته، و لا تبني الأحكام على رأي بل ابنيها على الحقائق لانك بذلك تجني معرفة علمية و تفكر ضمن قواعد و أصول.

مثل أسلوب سقراط حيث كان يحدد و يتفق قبل المناقشة و التعلم على مفاهيم و مصطلحات اساسية يعتمد عليها أطراف الحوار لأن الاتفاق حول ماهية الشيء أول طرق تبادل التعلم و الفائدة بين المتحاورين. تكوين الرأي يكون بتسمية الأشياء بمسمياتها.

لا تلون القيم بمصطلحات زائفة كأن تسمي الكذب ذكاء أو الفساد خبرة اجتماعية او النفاق مجاملة. و يندرج تحت هذا البند أسلوب الكوميديا السوداء. يعني السخرية من المشاكل يترك لها طابع متعة و تسلية دون التفكير في حلّها كما يعم الشعور لدى الآخرين بأن هذا الحال واقع و مستدام و مقبول.

الكوميديا ليست لغة لحل المشكلات و طرحها. و أضرار اعتمادها أسلوب مناقشة تسبب في تنويم شعوب كاملة على جروحها النازفة دون ألم و رغبة في العلاج.

بقي أن أذكر أهمية العقل الباطن و الواعي في تنشيط الأفكار لأن لهما سلطة واسعة في الدماغ. و الترفيه المستمر الذي يعيشه الأفراد بحثاً عن التنفيس من زحمة الحياة يلقن العقل الواعي و يدوّن فيه كل سبل التبلّد و الاسترخاء. و هذا يترك العقل الباطن في صراع مع الذكريات و المشاعر و الصدمات. يخبئها أكثر و يحرص على دفنها في أعماق الإنسان حتى تترسب اوجاعها في جسده و عضلاته. ثم تتوالى الأمراض و الشكاوى. ويكتشف المرفّه عقلياً بعد كل هذا الوقت أن سميّة الترفيه غيبت عقله و أفكاره.

مهارة التفكير تصنع لك حاضر واعي و مستقبل ابداعي. أنت المتحكم الوحيد بكل هذا. و عند قوة عقلك تسقط كل قوة تؤخرك. التفكير سلوك انساني و عليك أن تعيش بحقيقتك الانسانية و ليس كما تسيّرك الحياة.

الرابط : https://www.odabasham.net/%D8%B3%D8%A7%D8%AD%D8%A9-%D8%AD%D8%B1%D8%A9/135895-%D9%85%D9%87%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%81%D9%83%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86%D9%8A

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى