مع قلم الأستاذة كريمة عمراوي

أعظم سبب

بقلم الأستاذة كريمة عمراوي

 

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين، محمد و على آله و صحبه و سلم، و بعد:

يقول الشيخ الدكتور  إبراهيم الرحيلي أستاذ العقيدة بكلية الشريعة بمدينة الرسول صلى الله عيه و سلم، في شرحه لكتاب التوحيد:” يظن أكثر الناس، أن كل ما نفع فهو جائز، مثل من استعاذ  برجل فأشرك به، فسلم من شرّه، حصلت له السلامة في الدنيا، لكن يبقى أنه أشرك بالله، و وقع في الشرك، و هذا في كثير من الأمور، الأموال المحرمة قد يأكل منها الرجل، و يلبس و يتمتع، و لكن الانتفاع بها لا يجعلها مباحة، و لهذا يرقى بعض الناس برقى شركية، و يقول حصل الشفاء، أو يستعيذ بتعاويذ شركية، و يقول حصلت السلامة، ليس هذا بدليل، و لكن العبرة بدليل مشروعية هذا العمل، أمّا النفع قد يحصل ابتلاء من الله أن يحصل انتفاع بمحرّم، بل ذكر سليمان بن عبد الله في تيسير العزيز الحميد” أنّ بعض ذوات السموم إذا رقي عليها بأسماء الجن و الشياطين خرجت بإذن الله؛ لجامع العداوة بين الجن و الشياطين و ذوات السموم، و عداوتها لبني آدم”، و لله حكمة في تقدير هذا الشيء، للتمحيص.

من ترك شيئا لله، جعل له أمرا خيرا منه، من ترك اللجوء إلى المخلوقين، و الاستعاذة بهم، جعل الله له نصرا، و تأييدا و خلاصا من كل غمّ و همّ، و من لجأ إلى المخلوقين، فعلى قدر انقطاعه إليهم حصل له الخذلان.

التوكل على الله أعظم سبب، و أبلغ سبب في شفاء الأمراض، و حصول المنافع، و اللجوء إلى المخلوقين، و لو كان جائزا، مثل من يسأل المخلوقين، و يطلب منهم فيما يقدرون عليه، لكن دون مرتبة التوكل على الله، و الانقطاع عنهم، كما ذكر الشيح بن تيمية رحمه الله تعالى:” أن الناس عند إصابتهم بالأمراض المستعصية، إذا يئس منهم الأطباء و  قالوا لا شفاء لها، لجؤوا إلى الله تعالى، و يئسوا من الأطباء، نزل الشفاء، و لو كان هذا التوكل ابتداءا، لكان الشفاء ابتداءا.” و لكن المخلوق ضعيف، لا ييأس من المخلوق حتى يجرّب، و لو عرف هذا قبل التجربة، و يئس من المخلوقين، لعلم أنه ليس لهم قدرة، و انه لا نفع إلاّ بإذن الله، و توكل عليه، لحصل له الشفاء و النصر، و التأييد من الله ابتداءا، فإذا تعلّق القلب بالله و توكل عليه، و استشفى بكلام الله، و بالرقى الشرعية، و طلب الرزق و النصر من الله، و استعاذ به، و طلب الإعانة و التسديد منه، إلاّ تحقق له المطلوب، و لهذا تجد أقوى الناس في عقولهم و في أبدانهم، و في أفعالهم، و في سائر أحوالهم الموحدون، و أضعف الناس المشركين.

كلّما توكل المؤمن على ربه،  و تعلّق بربّه حصل له التأييد و النصر، فكيف يتساوى من أنزل حاجته بمخلوق مثله، و بين من يرفع حاجته لربه عزّ جل و يتوكل عليه؟

الله المتفرّد بالخلق، و الملك و الإجابة، و أن من عبدوهم من دون الله لا يملكون شيئا، و يتبرؤون منهم.

{ليس من الأمر شيئا} 128آل عمران شجّ النبي صلى الله عليه و سلم يوم أحد، و كسرت رباعيته صلى الله عليه و سلم من طرف المشركين، فقال:( كيف يفلح قوم شجوا نبيهم؟) و الفلاح هو الفوز، و المقصود؛ كيف يهتدي هؤلاء، و يفلحون، و هذا صنيعهم بنبيهم؟ و هذا لا شك أمر عظيم، فنزلت هذه الآية{ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون} الأمر بيد الله هو الخالق، له الأمر و الخلق.

هداية القلوب يملكها الله وحده، هذا الإنسان ضعيف، لا يملك هداية نفسه، يتضرع الليل و النهار، و يدعوا ربه ليثبته على الدين، و لا يزيغ قلبه، و إلاّ المرء لا يملك لنفسه شيئا، سمعه لا يستطيع أن ينتفع به، عقله لا يستطيع أن ينتفع به، علمه لا يستطيع أن ينتفع به، شرفه ماله، نسبه لا يستطيع أن ينتفع به إلاّ بإذن الله، هذا دليل على أنّ هذه الأشياء و إن وجدت لا تؤثر بنفسها، و تدل على تفرّد الله بالخلق و الملك و التدبير، إرجاع الفضل لله في دين الناس و معاشهم، الخلق كلّهم مربوبون، يتسببون في هداية الخلق، يدعون و يوجهون، أمّا هداية القلوب لا يملكها إلاّ الله تعالى، لا يملكها أحد لأحد، كلّهم فقراء لربهم في دينهم و معاشهم، و حركاتهم و سكناتهم.

كيف تضل أمّة فيها هذا القرآن، كيف تضل أمة فيها صحيح البخاري و مسلم؟ كل شيء موضح، كل شيء مبيّن، و انصرف كثير من الناس إلى غير الله تعالى، يريهم الله العبر في أنفسهم، و مع هذا يصرّون على شركهم، إلى أن يلقوا الله على هذا الأمر، هذا خطير، الأمة اليوم ليس ضعفها من قلّة، و لكن يخشى أن يكون حالها (غثاء كغثاء السيل) أعداد هائلة، و لكن ضعاف في دينهم إلاّ من رحم الله.

و لكن هناك بشائر خير، بشائر نصر، حتى في بلاد الغرب، يوجد من يحمل العلم، و يتعلّم السنّة، هؤلاء هم الذين يعقد عليهم الأمل بعد الله، و يعيد الله للأمة عزّها بدعوة هؤلاء للتوحيد و العقيدة الصحيحة، الأمر كلّه لله، الخلق كلّهم ليس لهم من الأمر شيء.” هذا و الله أعلم و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى