أفضل المعلومات و أوضح الانطباعات، كما أن الانفتاح عليه سيظل أهم محرِّض على تجديد الوعي و الفتوى و الرؤية و الخطة. قد نختلف في أسباب ما نراه و في تداعياته، كما قد نختلف في قراءته و فهمه، لكن يظل الاستعداد للاعتراف بما يثبت منه أمراً في غاية الأهمية.
تأملت في أحوال مساجدنا في عدد من البلدان، فرأيت فيها شيئاً يستحق التوقف و البحث و المعالجة، و ذلك الشيء هو قلة عدد الفتيان و المراهقين و الأطفال المميزين الذين يرتادون المساجد.
إن الطفل حين يبلغ السابعة أو الثامنة يصبح مميزاً، و حين يبلغ الثالثة عشرة يكون قد دخل في مرحلة المراهقة- في رأي بعضهم – و إذا بلغ الحادية و العشرين يكون قد دخل في طور الشباب.
و المجتمعات العربية و الإسلامية مجتمعات فتية؛ إذ يشكل من هم دون سن العشرين نحواً من نصف السكان، و هذه النسبة عالية جداً إذا ما قورنت بما هو موجود لدى الأمم الأخرى.
إذا عدنا إلى موضوع حضور الأطفال و الفتيان إلى المساجد، فإننا سنجد أنه ضئيل للغاية، و لا أبالغ إذا قلت: إن الذين يحضرون منهم لا يصلون إلى 10% من مجموعهم الكلي، و لا بد بالطبع من استثناء المساجد التي فيها حلقات للقرآن الكريم؛ فهذه لها شأن خاص.
وهذه الظاهرة ينبغي أن تكون مقلقة؛ لأن التردد على المسجد مهم جداً لصقل روح الإنسان و تجديد عهده بالله – تعالى – و بجماعة المسلمين، و بأهل الحي و الجيران، و الحرمان منه في زمان كزماننا يؤشر إلى العديد من الأمور السلبية.
و من الواضح أننا نتعرض اليوم لدفق ثقافي هائل أدى إلى خلخلة كثير من الأمور التي كنا نظن أنها خارج نطاق الشك و الجدل، و بما أن الأطفال و المراهقين ما زالوا في مرحلة التكوّن العقلي و النفسي فقد تأثروا تأثراً بالغاً بالوافدات الثقافية العاتية.
و قد وفّر الإنترنت و البث الفضائي الكثير من المواد الإباحية التي يراها المراهقون، و يرسلونها لبعضهم عبر وسائل الاتصال المختلفة، و صاحب ذلك وجود عدد كبير من الآباء و الأمهات المشغولين بأنفسهم عن توجيه أبنائهم… لا أريد أن أشرح ما هو معلوم و ملموس، لكن أقول: إن أحوال فتياننا لا تسر، و إذا لم نقم بعمل كبير على صعيد الاهتمام بهم، فإن النتيجة قد تكون خسارة جيل كامل.
إن المشكلة لا تقتصر في الحقيقة على الإعراض عن الصلاة في المساجد، بل إن أرقام المشاهدة للقنوات الفضائية الإسلامية تشير إلى أن نسبة ضئيلة جداً من المراهقين تتجه إلى مشاهدتها، و معظمهم يشاهدون القنوات غير المحافظة و القنوات الغارقة في الرذيلة.
هذا يعني أن المسألة ليست مسألة ترخص في حضور صلاة الجماعة أو مسألة تقليد لمذهب فقهي فيه مرونة في هذه القضية، و إنما القضية قضية سلوك و اتجاه و موقف شعوري و أخلاقي، و هذا هو منبع الخطورة.
ما العمل؟
1- أنا أعرف أن السباحة ضد التيار شاقّة، و كل المصلحين العظام تحركوا في ظروف لم تكن مواتية، لكنهم بالصدق و العزيمة و الثقة بالله – تعالى – استطاعوا إحداث تغييرات كبيرة و مهمة في الواقع، و لن يكون من الصواب الاستسلام للانحلال و الخوف من تكاليف التغيير.
2- إن بداية كل علاج تتجسد في الإحساس بالمشكلة، و الاعتراف بها، و تسليط الضوء عليها، و بناء وعي عام حولها، و إن على الدعاة و الوسائل الإعلامية المهتمة بصلاح المراهقين و الشباب المساعدة على ذلك.
3- يجب أن نوقن أننا لن نستطيع جذب الجيل الجديد بوسائلنا القديمة، و لذا فلا بد من تجديد دور المسجد ليصبح أكثر من مكان لأداء الصلاة، بل ليصبح بمثابة مركز ثقافي يقدم العديد من المناشط المهمة، و لعل من تلك المناشط:
أ – دروس تقوية في المواد الصعبة، يقدمها أساتذة مشهود لهم لطلاب المتوسطة و الثانوية احتساباً للأجر من الله تعالى.
ب – إيجاد ملاحق للمساجد تتوفر فيها بعض الألعاب المسلية و المفيدة مما يستهوي الفتيان، و ينال إعجابهم، و يكون ذلك تحت إشراف مربين فضلاء، و قد رأيت ذلك فعلاً في أحد البلاد، و رأيت آثاره الإيجابية.
4- لابد من القيام بحملات إعلامية واسعة النطاق تحث الآباء على اصطحاب أبنائهم إلى المساجد، و تحث المصلين على الترحيب بالأطفال المميزين و المراهقين و إكرامهم و الاهتمام بهم.
5- إجراء حوارات موسعة مع الفتيان و الشباب حول أهمية صلاة الجماعة، و دلالتهم على بعض الأساليب التي تُعينهم على الالتزام بها.
6- التشجيع و الجاذبية و التوعية و الإقناع هي الوسائل الصحيحة و الملائمة لاسترجاع ما فقدناه من قيم عزيزة و سلوكيات جيدة.
الرابط : https://drbakkar.com/2016/10/01/%d9%85%d8%b3%d8%a7%d8%ac%d8%af-%d9%85%d9%86-%d8%ba%d9%8a%d8%b1-%d9%85%d8%b1%d8%a7%d9%87%d9%82%d9%8a%d9%86/