مع قلم الأستاذة كريمة عمراوي

نعمة الباب المغلق

بقلم الأستاذة كريمة عمراوي

 

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين، و على آله و صحبه و بعد:

التركيز من نعم الله العظيمة، كلّما ركّزت على شيء كبر، إذا ركزت على المصاعب و المصائب تكبر، و إذا كزت على النعم تكبر، فاختر على ماذا تركّز.

 الكثير من الناس يعتبرون الباب المفتوح من النعم الجليلة، و هو كذلك، فإن فتح لك باب خير فهذا من فضل الله عليك، لكن في هذه المقالة سأتحدث على فضل آخر لله؛ و هو الباب المغلق، ليس الباب المجازي و لكن الباب الحقيقي، و ليس أي باب و لكن باب بيتك، إذا غلق و سدّ و أنت داخل بيتك محاط بالأمان و النعم، لا يدخل عليك إلاّ أهلك، أو من تحب، أمّا الصخب فهو خارج حدود بابك، أمّا الغوغاء فهي في الخارج، أمّا المنتهزون و الأشرار و الأخطار فهي من وراء هذا الباب المغلق، هذه النعمة نغفل عنها في كثير من الأحيان، و قلّ من يتذكرها، و يستشعرها، و يشكرها.

أخواتنا في غزّة الملكومة، المنكوبة، ما يزيد عن عام، لا تستطيع الواحدة خلع ملابسها، و خمارها، و حجابها إلاّ نادرا و بصعوبة، لأنها لا تجد الأمان في قطع (نيلون)، أو خرق ممزقة تسمى خيمة، لا باب يغلق لتتنفس الصعداء، و تسترخي في بيت آمن، فوق فراش دافئ، هل استشعرت النعمة التي أنت فيها.

أكثر من إثني عشر شهرا بأيامه و لياليه، لا يغلق باب على نساء و أسر و أطفال ليعانقوا الستر و الأمان، و الخصوصية،  داخل بيوت مغلوقة بأبواب، افتقدوا الأبواب المغلقة التي تحميهم من البرد، و الحرّ، و الهوام، و الكلاب الضالة، و الذئاب البشرية المفترسة، لا شيء يحميهم إلاّ كلاءة الرحمان الرحيم و رحمته، أعلم أن الله سيعوضهم خيرا إن شاء الله، فقد خرج من تلك البقعة المباد شعبها؛ العلماء، و العقلاء، و المهندسين و المبتكرين، و المقاومين، و الشهداء، أنا على  يقين أن كل ما يحدثه الله خير للمؤمنين، لكن أذكّر نفسي و إيّاكم بهذه النعمة التي افتقدوها في تلك البلاد، و نحن ننعم بها و بغيرها.

عندما يغلق باب بيتك ترتاح من عناء الخارج، تبدّل ثيابك باطمئنان، لا أحد يشاهدك، تستلقي على فراشك بلا حرج، لا أحد يراقبك، تلعب مع أبنائك كأنك واحد منهم، لا أحد يسخر منك، أنت تفعل ذلك لأن باب بيتك مغلق، تمشي حافيا، أو منتعلا، تمازح زوجتك بعفوية، تتدلّل على والديك لا أحد يمانعك، أو يرصدك، باب بيتك مغلق، تنام وقت ما تشاء و تستيقظ وقت ما تشاء، تقرأ كتابك المفضل و أنت مستلق على الأريكة، و على فراشك، في ثياب بسيطة، غير منمّقة، و لا رسمية، لأنّ باب يبتك مغلق، لا تستقبل الضوضاء التي تنتشر في الأزقّة، ولا الأضواء الساطعة من المركبات ليلا، تطفئ مصباحك لا أحد يزعجك، لأن باب بيتك مغلق، الناس الذين يشكلون لك ضغطا ليسوا أمامك، الناس الذين لا ترغب في رؤيتهم ليسوا معك أنت مرتاح لأن باب بيتك مغلق، الحمد لله على هذه النعمة الكبيرة، أسأل الله أن يديم علينا نعمه الظاهرة و الباطنة، ويعيننا على شكرها، أمّا النساء فيزول عنهن القلق، وهنّ أكبر فئة مستفادة من نعمة الباب المغلق، تشعر الواحدة منهنّ بالخصوصية حين يغلق باب بيتها عليها، وهي قريبة من رحمة ربها وهي في عقر بيتها، ما أجملها من أوقات، وهي تسير غير مبالية كالملكة لأن باب بيتها مغلق، لا يشاهدها الرجال، وعيون الساكنين معها في بيتها عيون ساهرة على حفظها، عيون تغار عليها، وعلى شرفها، تلبس زينتها، وترسل خصلات شعرها وهي مطمئنة، ناعمة في الأمن لأن باب بيتها مغلق، ما أجمل هذا الشعور، ما أكبر هذه النعمة، الحمد لله الذي بنعمه تتمّ الصالحات. هذا و الله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى