و أظل رمضان مقبلا بنور لياليه و بهجة أسحاره، و أهل هلاله باليمن و الخير و البركات بإذن الله، على الأمة المحمديّة في مشارق الأرض و مغاربها، و تتلقفه القلوب المطمئنة لربها، و تتعلّق ببركاته النّفوس التي جنت حصائد الذنوب، و هي ترجو المغفرة، و تخشى ألّا تدركها خيرية تلك الليالي الزّائرة الزّاهرة، و ترقب بشوق و لهفة ليلة من لياليه الغرّاء خير من ألف شهر، تبسط فيها كفّ الفقر و الذلّة و التوبة و النّدم، و تأمل أن تكون من أهل أوّله فتحظى بالرحمات الندّية، و أن تكون من أهل أوسطه، فتنال عافية الغفران، و تتطلّع إلى أواخره و قد وجفت ألّا تكون من أهل العتق، أولئك الّذين أدركهم رمضان فغفر لهم ما تقدّم.
و تقبل الأرواح على كتاب الله، تروي ظمأ الشوق إلى الجنان، و تطمع في الحسنات المضاعفة في هذا الشهر الكريم، و تستذكر وصيّة الحبيب المصطفى بكتاب الله تعالى، يسأل طلحة عبدالله بن أبي أوفى قائلاً: أأوصى رسول الله صلى الله عليه و سلم؟ فقال: لا. قال طلحة: كيف كتب على النّاس الوصيّة، أمروا بها و لم يوص؟ قال عبد الله: أوصى بكتاب الله. لقد أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن وصيّته لأمته عظيمة و ثقيلة، فانطلقوا في رحاب الأرض يعلّمون كتاب الله للنّاس، و يقيمون شرع الله المقام في دفتيه، و يداومون على تلاوته آناء الليل و أطراف النّهار، يحملون تلك الوصية في صدورهم لتحميها القلوب من الضياع، إنّها تركة الحبيب «تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا؛ كتاب الله و سنّتي»، و أعظِمْ بهما من أمانة، و أكرم بهما من وصيّة! كتاب الله؟ و هل استقامت حياتهم و اطمأنّت قلوبهم إلّا بهذه الكلمات الطاهرة؟ و كيف لا يختار المؤمن كلام الله على ما دونه من كلام النّاس؟ فكلام البشر غثّه و سمينه، يظل كلاما بشريا، قابلا للخطأ و الصواب، و أحاديث الناس لا تعدوا ان تكون أحد أمرين صدق أو كذب، لغو أو مفيد، موزون بميزان الحسنات أو بميزان السيئات، فكيف لا ينبّه و يذكّر الرسول صلى الله عليه و سلم أمته بأن تأخذ بخير الكلام وتدع ما سواه، و أن تتخذ من القرآن منهج حياة و طمأنينة قلوب، و شفاء أبدان، و تزكية نفوس، و جلاء همّ، و منجاة من النّار، و هو حق كلّه و هدى و خير }لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه{. و تظلّ وصيّة الرسول صلى الله عليه و سلم، منارا لأمته، تهتدي به، كلما حلك ليل ايامها، و تشرذمت حلقاتها، فتعود لتتوحّد على حب الله و رسوله، و تجتمع على كلمته الطيبة (كتاب الله) و تهتدي بخير الهدي (سنّة محمّد) صلى الله عليه و سلّم، و تتوثّق عرى لحمتها على عهده و وعده ما استطاعت إلى ذلك سبيلا دون نقض لعهده و لا خلف لوعده، لتستحق امة الإسلام وسام المحبة و التآلف و التوادّ و التعاطف، فيما بينها، و ما حولها، فهي أمة المحبة و الرحمة و الخير الذي يتسع لكل بني البشر و يمتد ليحوط جميع الخلائق، و ليسمّى نبيها صلى الله علي و سلم نبي الرحمة). الّلهم تقبّل منّا رمضان، و أعنّا فيه على طاعتك يا رب العالمين.الرابط : https://www.ajlounnews.net/articles/%d8%b4%d9%87%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a2%d9%86/