قضايا حضارية

الإسلام بين المؤامرات الخارجية و التجديد الواعي

بقلم الأستاذ ماهر باكير دلاش من الأردن الشقيق

لا يزال الضجر، الذي قد يتحول إلى حالة مرضية مزمنة، ينتشر بين فئات من الناس نتيجة تبني أفكار لا تمت إلى ديننا أو عقيدتنا أو حتى أعرافنا و تقاليدنا بشيء. هذه الأفكار، التي يروج لها البعض في محاولات لإحداث تغيير فكري، غالبًا ما تبرر بأنها تمثل التحضر و التقدم و مواكبة العصر. لكن الواقع هو أن هذه المحاولات لا تعكس إلا سعيًا نحو التقليد الأعمى دون التأمل في الجذور و الأبعاد الثقافية العميقة التي تحدد هويتنا. في الحقيقة، ما يحدث هو تقليد مشوّه ليس له جذور حقيقية في الواقع الإسلامي، و لا في الثقافات التي نشأ منها هذا الدين العظيم.

 

البعض يعتقد أن التحضر يعني الابتعاد عن تقاليدنا الإسلامية العريقة، و أن مواءمة العصر تتطلب منا التخلي عن العديد من المعتقدات التي حافظنا عليها لقرون. و بالفعل، هناك محاولات متواصلة من بعض التيارات الفكرية الغربية لفرض هذه الرؤى على المجتمع المسلم. إن كل فكرة تقف ضد أسس ديننا، أو تهدد قيمنا الثقافية، هي في حقيقتها عملية تشويه لمفهوم التحضر الحقيقي. الإسلام في جوهره يدعو إلى تجديد الفكر و النفس في إطار من المبادئ الثابتة، و يشجع على التحاور مع العصر و لكن من خلال قيمه الأصيلة.

 

لكن ما يحدث اليوم هو أن هذه الأفكار التي تروج لها بعض القوى أصبحت مرضًا فكريًا ينتشر بسرعة. يعتقد البعض أن الحل يكمن في استيراد تجارب أخرى، على الرغم من أن هذه التجارب لا تتناسب مع الواقع المجتمعي و الثقافي لديننا. في سعيهم المحموم نحو التحضر، يقومون بتبني بعض المفاهيم التي تتناقض مع القيم الإسلامية الراسخة. و هذا لا يحدث دون نتائج، فقد يؤدي ذلك إلى ظهور أجيال تحمل أفكارًا هجينة تتصارع مع الهوية الإسلامية، و هو ما يمكن أن يسبب تشوّهًا فكريًا مستقبليًا.

 

المجتمع بحاجة إلى نظام فكري أكثر مرونة، و نظام لا يعيق العقول و يعطلها. إن العقل المسلم لا بد أن يُمنح فرصة للتفكير بشكل حر، لكن في إطار المبادئ الأساسية التي يُنَظر بها إلى الدين و المجتمع. ما نحتاج إليه ليس مزيدًا من الصلابة و التشدد، بل التفكير المنفتح الذي يسمح بالتجديد، لكن من دون التفريط أو التنازل. الإسلام لم يطالب أبدًا بالجمود الفكري، بل هو دين يدعو إلى الوسطية؛ لا إفراط و لا تفريط، بل اعتدال و توازن في جميع مناحي الحياة. و في هذا الإطار، يمكن للفكر الإسلامي أن يتفاعل مع الواقع دون أن يفقد هويته أو قيمه.

 

و في إطار هذه الفوضى الفكرية، تزداد محاولات قوى خارجية للنيل من الإسلام. هذه القوى تمثل أيديولوجيات متنوعة تسعى إلى تحجيم الإسلام أو تحريفه. من الشيوعية والعلمانية إلى الإمبريالية والرأسمالية، نجد أن هذه النظريات قد ظهرت لتخدم مصالح معينة وتستغل الصراعات الفكرية في العالم. وعادة ما يتم ترويج هذه الأفكار تحت شعار “التحضر” و”التقدم”، لكن الحقيقة أن الهدف هو الحد من انتشار الإسلام وتقليص تأثيره في الساحة العالمية.

 

وقد اعتادت هذه القوى الخارجية استخدام أساليب متنوعة في حربها الفكرية ضد الإسلام. منذ الحروب الصليبية إلى محاولات الاستعمار، ومرورًا بالحروب الباردة والصراعات الاقتصادية المعاصرة، نجد أن الإسلام كان دائمًا في دائرة الاستهداف. لكن الحقيقة التي يجب أن نعيها هي أن هذه المحاولات لم تنجح في تقويض تأثير الإسلام أو القضاء عليه. بل على العكس، فقد أدى التحدي المستمر إلى تقوية الإسلام وإثبات قدرته على الصمود أمام كل هذه المحاولات.

 

إن هذه الهجمات المتواصلة على الإسلام في الساحة الفكرية والتاريخية ليست جديدة، بل هي جزء من سلسلة طويلة من المؤامرات التي لم تتوقف. وفي الوقت الذي يستمر فيه البعض في نشر هذه الأيديولوجيات الغربية، فإن العديد من المسلمين يبذلون جهدًا كبيرًا للدفاع عن دينهم وتوضيح الحقائق المغلوطة التي يتم نشرها عن الإسلام. من هنا، تظهر أهمية فهم الإسلام في ضوء الشريعة، إذ إن الشريعة الإسلامية ليست مجرد مجموعة من الأحكام التي تُفرض على الفرد، بل هي منهج حياة كامل يشمل الفكر والعقل والمشاعر. ومن خلال فهم الشريعة بشكل صحيح، يمكننا مواجهة كل هذه المحاولات الهادفة إلى تشويه الإسلام أو تحريفه.

 

في النهاية، يجب أن نتذكر أن الإسلام هو دين العقل والمنطق، دين يدعو إلى التفكير والتدبر في خلق الله. وهو ليس دينًا جامدًا أو تقليديًا، بل هو دين ينمو ويزدهر بتفاعل مع كل عصر وكل زمان. لكن هذا النمو والتطور يجب أن يكون محكومًا بقيم الإسلام الأصلية، وأي محاولة لتغيير هذه القيم أو تزييفها يجب أن تواجه بالرفض. الإسلام هو دين الحق، ودائمًا سيظل طريقًا مفتوحًا أمام كل من يسعى للمعرفة والحكمة في إطار من الإيمان والتقوى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى