
الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، و به تُنال العزة في الدنيا و الآخرة، و هو من أفضل الأعمال و أجلِّ القربات، و الصيام مصدرُ قوة روحية تدفع إلى العمل، و عبادة فرضها الخالق لكي تمدّ العبد المؤمن بالروح الفتية و العزم القوي، و لذلك ارتبط شهر رمضان بالجهاد، فلم يكن الصيام دافعاً للتقاعس و التثاقل، بل على العكس كان دافعاً لمضاعفة العمل و العبادة، فالتاريخ الإسلامي منذ أيامه الأولى و حتى يومنا هذا شاهدٌ على أن شهر رمضان كان شهر الفتوحات و الانتصارات الحربية، ففي مواسم هذا الشهر الكريم تحققت انتصارات اسلامية رائعة كان أولها معركة بدر الخالدة – أولى المعارك و الانتصارات الإسلامية -، مروراً بمعارك كثيرة أشهرها فتح مكة و الأندلس، و حطين و عين جالوت، فكان هذا الشهر يحفل على مد العصور بكبريات الوقائع الحربية الحاسمة في تاريخ الإسلام. و بهذا نعلم مدى أهمية و ارتباط شهر الصيام بالجهاد في سبيل الله، كيف لا!؟
و رمضان جهادٌ للنفس و البدن، و الجهاد في سبيل الله أيضاً جهاد بالنفس و البدن و المال، فإذا ارتبطا معاً كان ذلك أقوى عزيمةً للمؤمن و أشد تثبيتاً، سيما أن الوجهة واحدة و هي ابتغاء رضوان الله تعالى. و قد أمر الله عز و جل بالجهاد و حث عليه، و رغب فيه حتى وصف من يبذل نفسه في سبيله بمن يبيع نفسه لله، و نعم البيع ذلك البيع، فقال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَ أَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَ الْإِنجِيلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ َوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة:111). فشهر رمضان المبارك هو شهر الجهاد و القتوحات، و من أشهر المعارك و الفتوحات التي حدثت في رمضان: معركة بدر الكبرى و فتح مكة، و فتح الأندلس. غزوة بدر الكبرى في السنة الثانية من الهجرة: ففي السنة الثانية للهجرة خرج المسلمون بقيادة رسول الله صلى الله عليه و سلم ليعترضوا قافلة لقريش يقودها أبو سفيان، و لكن أبا سفيان غَيّرَ طريقه إلى الساحل و استنفر أهل مكة، فخرجوا لمحاربة المسلمين و التقى الجمعان في بدر في السابع عشر من رمضان سنة اثنتين للهجرة، فنصر الله رسوله و المؤمنين رغم قلة عددهم و عدتهم، و كانت تلك الغزوة فرقاناً بين الحق و الباطل، تلك الغزوة التي جعلت للمسلمين كياناً مهاباً و جانباً مصوناً.
فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة: ففي رمضان من السنة الثامنة للهجرة تحقق أكبر فتح للمسلمين، و هو فتح مكة، المعقل الأكبر للشرك حينها، كان رسول الله ﷺ قد عزم على فتح مكة، و في اليوم العاشر من شهر رمضان في السنة الثامنة من الهجرة تحرّك عشرة آلاف صحابي تحت قيادة رسول الله ﷺ لفتح مكة، و خرجوا من المدينة و هم صائمون، و لم يلق المسلمون أية مقاومة أثناء دخولهم مكة سوى بعض المناوشات بين خالد بن الوليد و بعض رجال قريش، و قد هرب المشركون بعدها، فأمر النبي ﷺ أصحابه بألا يقاتلوا إلا من قاتلهم. و تمّ فتح مكة، و كان لهذا الفتح أثر كبير في تاريخ البشرية، فقد قضى على الأوثان و الشرك في مكة تمامًا، و تسابقت القبائل العربية بعدها إلى الدخول في الإسلام.
فتح الأندلس: في 28 رمضان عام 92 هجرية، كانت جيوش المسلمين بقيادة طارق بن زياد و موسى بن نصير تقرع أبواب أوروبا عن طريق الأندلس (إسبانيا و البرتغال حالياً)، فعبر طارق بجيشه المضيق الذي عرف باسمه -جبل طارق- ليلاقي جيوش القوط و يهزمها في معركة (وادي لكّة) و التي فتحت الباب أمام المسلمين لفتح شبه الجزيرة الأندلسية، حتى ظلت الأندلس عروس الأمة و بوابة و معبراً لدخول الإسلام في عمق أوروبا. و في رمضان سنة 31 هجرية كان فتح بلاد النوبة.
و في رمضان سنة 223 هجرية كان فتح عمورية. و في رمضان سنة 658 هجرية كانت معركة عين جالوت في فلسطين. و في رمضان سنة 702 هجرية كان فتح شقحب. و في رمضان سنة 829 هجرية كان فتح قبرص في عهد المماليك.
فهكذا كانت سيرة هذا الشهر في تاريخ الأمة، فكثير من الانتصارات و الفتوحات التي كان لها أعظم الأثر في تاريخ الإسلام و المسلمين وقعت في هذا الشهر الكريم.
الرابط : https://www.facebook.com/Dr.sallabi/posts/%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9%86-%D8%B4%D9%87%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%88%D8%AD%D8%A7%D8%AA%D8%A8%D9%82%D9%84%D9%85-%D8%AF-%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%A8%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D8%A8%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%B0%D8%B1%D9%88%D8%A9-%D8%B3%D9%86%D8%A7%D9%85-/1219682849516659/