تسعى العديد من الأسر المتعففة، التي تعيلها نساء فقدن أزواجهن في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، إلى تحقيق مكاسب مالية بسيطة خلال الشهر الفضيل، في محاولة للصمود أمام الظروف الاقتصادية القاسية التي فرضتها الحرب. إلهام، ابنة الخامسة و الثلاثين عامًا، سبقت قدوم رمضان بالتحضير له عبر صناعة المخللات و الطراشي، علّها تتمكن من تحقيق بعض المكاسب المالية التي تعينها على توفير احتياجات أبنائها. فبعد أن استهدف القصف الإسرائيلي منزل أهل زوجها في مخيم البريج وسط القطاع، فقدت زوجها و حماتها و شقيقيه، إضافة إلى عدد من الأطفال، تاركًا إياها بلا معيل أو مصدر دخل. لم تجد إلهام خيارًا سوى إشراك طفليها، البالغين من العمر عشرة و تسع أعوام، في بيع الطراشي للمارة على الطريق الرئيسي للمخيم. و توضح أن سكان المخيم يدركون معاناتها، فيقبلون على الشراء، بل إن بعضهم يترك لها جزءًا إضافيًا من المال دعمًا لها و لأطفالها. و رغم هذه المحاولات، تظل الحياة قاسية عليها، إذ فقدت منزلها بالكامل، فباتت تتنقل بين منازل أقارب زوجها، الذين ضاق بهم الحال أيضًا نتيجة الحرب. و رغم الألم و المعاناة، تصرّ إلهام على مواصلة العمل، معتبرة أن هذا الشهر الفضيل قد يكون فرصة لتعويض جزء مما فقدته، و لتأمين قوت يومها في ظل حصار يخنق غزة و أهلها. عزيمة لا تلين في زاوية متواضعة من سوق المغازي وسط القطاع تجلس أم جابر، و هي سيدة خمسينية، خلف طاولة صغيرة تبيع البقدونس و الجرجير و الفجل للمارة. وجهها يحمل ملامح التعب، لكن عينيها تشعان بعزيمة لا تلين، تحاول من خلالها مقاومة قسوة الظروف المعيشية التي فرضتها الحرب الأخيرة على غزة. تعيش أم جابر قنديل في خيمة نزوح، تجمع ما تبقى من أبنائها و أحفادها، بعد أن فقدت ثلاثة من أبنائها في القصف الإسرائيلي المباشر على المخيم في يناير 2024. تتحدث بألم عن حياتها التي انقلبت رأسًا على عقب، قائلة لـ “فلسطين أون لاين”: “لم يعد لنا بيت و لا مأوى. كنا نعيش بكرامة، أما الآن فالحياة صارت مجرد محاولة للبقاء”. تعتمد أم جابر على بيع الخضروات البسيطة كمصدر وحيد للدخل، لكنها تجد صعوبة في تدبير احتياجات أسرتها، خاصة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية و ندرة الموارد. و تشير إلى أنها تحاول أحيانًا تنويع بضاعتها بإضافة أصناف أخرى من الخضراوات الرمضانية مثل الليمون و الخيار، لكن الأسعار المرتفعة تجعلها تتردد. “لما يرتفع سعرها عند التجار، سواء من الإنتاج المحلي أو المستورد، بعزف عن شرائها، لأن الناس ما بتيجي تشتري و إذا فسدت بكون أنا الخسرانة”. و رغم المعاناة، تواصل أم جابر العمل يوميًا في السوق، متشبثة بأمل بسيط في تأمين لقمة العيش لعائلتها، في ظل واقع يزداد صعوبة مع استمرار الحصار و الدمار الذي خلفته الحرب. وسط سوق النصيرات، يقف الشاب هيثم عمار خلف طاولته الصغيرة، يعرض صواني البسبوسة و النمورة التي أعدتها والدته في المنزل، في محاولة لمساعدتها على تأمين لقمة العيش خلال شهر رمضان. فمنذ اعتقال والده خلال الحرب الأخيرة، وجد هيثم نفسه المسؤول الأول عن أسرته، محاولًا بكل جهده توفير احتياجاتهم في ظل الظروف القاسية التي تعيشها غزة. يقول عمار لـ “فلسطين أون لاين”: إن الإقبال على الحلويات المنزلية في رمضان مقبول، رغم الأزمة الاقتصادية التي تجعل الناس أكثر حذرًا في إنفاقهم. و يوضح أنه تجنب بيع القطايف، رغم شعبيته الكبيرة، بسبب كثرة الباعة الذين يعرضونه، مفضلًا التركيز على البسبوسة و النمورة، حيث يراها أكثر طلبًا من قبل الزبائن.
لكن الصعوبات التي يواجهها يوميًا لا تقتصر على البيع فقط، بل تتفاقم بسبب إغلاق المعابر و ارتفاع أسعار المواد الأساسية. فقد أدى ارتفاع أسعار السكر و الغاز إلى زيادة تكلفة الإنتاج، ما أجبره على رفع سعر الكيلو الواحد من الحلويات. و هذا بدوره انعكس على سلوك الزبائن، حيث باتوا يشترون كميات أقل وفق إمكانياتهم المادية. “الناس تحب الحلو في رمضان، لكن الغلاء يجبرهم على شراء كميات بسيطة”. و رغم كل هذه التحديات، يواصل هيثم العمل بإصرار، معتبرًا أن رمضان ليس فقط موسمًا للبيع، بل فرصة للصمود. و منذ أن بدأ الاحتلال حرب الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر 2023، تعرض قطاع غزة لدمار واسع النطاق، حيث أسفرت الهجمات الإسرائيلية عن استشهاد أكثر من 48,000 فلسطيني، و إصابة أكثر من 110,000 آخرين، معظمهم أطفال و نساء، وفق وزارة الصحة. كما دمر أو تضرر 92% من المنازل و 95% من المدارس، إضافة إلى العديد من المرافق الصحية، مما أدى إلى انهيار نظام الرعاية الصحية بشكل شبه كامل. و وفقًا لتقارير أخرى، تم تدمير حوالي 60% من المباني في غزة، مع تضرر 75% من الهياكل في مدينة غزة وحدها. كما تم تدمير 163,778 مبنى، مما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من السكان. هذه الأوضاع الكارثية أثرت بشكل خاص في النساء، حيث ارتفعت نسبة الأسر التي ترأسها نساء إلى مستويات غير مسبوقة.
فقد أشارت تقارير إلى أن نسبة الفقر بين أفراد الأسر التي ترأسها أنثى في قطاع غزة بلغت 52.2% خلال النصف الأول من عام 2023، مقارنة بـ10.2% في الضفة الغربية.
الرابط : https://felesteen.news/post/161904/%D9%86%D8%B3%D8%A7%D8%A1-%D8%BA%D8%B2%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%8A%D9%83%D8%A7%D9%81%D8%AD%D9%86-%D9%84%D8%AA%D8%A3%D9%85%D9%8A%D9%86-%D9%82%D9%88%D8%AA-%D8%A3%D8%B3%D8%B1%D9%87%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9%86