منذ اللحظة التي يبزغ فيها الوعي في أعماق الإنسان، يبدأ السير في دربٍ لم يكن قد خطّ معالمه بعد، لكنه يسير، مدفوعًا برغبة خفية لفهم ما حوله، و لرسم ملامح ذاته في مرآة الزمن. في هذا المسير، يتأرجح بين الحلم و الواقع، بين ما يتخيله ممكنًا و ما يفرضه عليه الزمن من قيود. لكن، ماذا لو كان الحلم ذاته هو الحقيقة التي لم تتجسد بعد؟
كثيرون يعبرون الحياة و هم يتساءلون عن العلاقة بين ما هو مقدر و ما هو مكتسب، بين ما كُتب لهم و ما سعوا إليه بإرادتهم. و الحقيقة أن الإنسان مُنح القدرة على السعي، و أن هذا السعي هو جزء من رحلته في تحقيق ما كُتب له. فحين يحمل حلمًا، لا يكون مجرد متأمل في مجريات الأحداث، بل يصبح عاملًا فيها، ينهض بكل ما أُوتي من عزيمة، مستعينًا بإيمانه بأن الطريق قد يكون مرسومًا، لكنه مليء بالأبواب التي تُفتح لمن يطرقها.
و لعل أجمل ما في هذا التفاعل هو أنه يمنح الإنسان معنى، فهو لا يركض خلف الأيام دون وعي، بل يدرك أن كل خطوة تحمل في طياتها أثرًا، حتى لو بدا ضئيلًا. قد يُخيَّل للبعض أن الحلم مجرد ظلٍ زائل، لكن الحقيقة أن الأحلام، حين تتجذر في الوجدان، تتحول إلى أفعال، و الأفعال تترك أثرًا لا تمحوه الرياح العابرة.
إن الإنسان، في جوهره، ليس محض كائن عابر، بل هو أثرٌ يتراكم، فكرة تتشكل، و ذكرى تظل شاهدة على ما كان و ما يمكن أن يكون. و الفرق بين من يترك أثرًا و من يتلاشى مع الأيام ليس في القوة أو النفوذ، بل في ذلك اليقين الداخلي بأن للحلم صوتًا، و بأن القلم الذي يجري على الصفحات ليس مجرد حبر، بل امتداد لروح ترفض أن تظل حبيسة الصمت.
فإذا بلغ الحلم غايته، و أدرك الإنسان أن ما كان يومًا محض خيال قد صار حقيقة، أدرك حينها أن الخطوط التي رسمها في ذهنه لم تكن أوهامًا، بل كانت إشارات لطريق كان ينتظره منذ البدء، طريق لم يكن مفروضًا عليه، بل هو الذي اختاره، و إن لم يكن يدري ذلك تمامًا.