نظرات مشرقةيهمكم

لقاء متجدد مع تلاميذ الثانوية

بقلم عفاف عنيبة

من يومين، كنت أقف علي شاطيء البحر، أتأمل الأفق و الأمواج العاتية. كانت الرياح قوية و السحب متراكمة و بقيت لدقائق طويلة، انظر و أستذكر دروس التاريخ، و كأني أستحضر صفحة السفن الغازية الفرنسية و ما تبعها.

ذاكرتي عنيدة و اليوم، وقفت أمام تلاميذ ثانوية المقراني مجددا، قسم علوم سنة أولي ثانوي. وجوه غضة يعلوها الفضول و ذلك الهدوء بإنتظار كلمتي.

إعتدت تحويل المحاضرة إلي أسئلة و أجوبة إما هم يسألون إما أنا أسألهم. إما يجيبون و إما أنا أجيب.

أكثر ما أثر في، في لقاءي اليوم شغفهم بالعلم و إعتزازهم بوطنيتهم. إجتهدت في تبليغ رسالة فضيلة العلامة الشيخ الأستاذ عبد الحميد بن باديس رحمه الله و كيف جاهد لتزويد أبناء وطنه بسلاح العلم الشرعي و الدنيوي و كيف أنه يتعين علينا الحفاظ علي هذه الأمانة و طلبها فهي بمثابة العبادة التي تقربنا من الله عز و جل و تسهم بشكل فعال في نهضة بلدنا و أمتنا الإسلامية ككل.

إستمعوا بإهتمام و طرحوا بعض الأسئلة ثم إنتقلنا إلي الجزء الثاني من المداخلة التفاعلية، أردت الإستماع إلي إنشغالاتهم و أسئلتهم. فلم يبخلوا بها. كان التجاوب جميل و كانوا يستمعون إلي بعضهم البعض و أهم ما سجلته ما يلي :

-طول الدوام يرهقهم بحيث لا يتمكنوا من مراجعة أو القيام بالتمارين بعد العودة إلي البيت. (كم من مرة كتبت في كل لقاء متوجهة بالحديث إلي مسؤولي الوزارة الوصية لا بد من تخفيف الحجم الساعي و جعل التلاميذ في الأطوار الثلاث يغادرون مدارسهم علي الساعة الثانية بعد الظهر…) لا بد من تقدير ما يتحمله التلميذ في سبيل طلب العلم و النجاح و الإنتقال من طور إلي آخر. التلميذ بشر و ليس آلة، فهو في حاجة إلي راحة و ترفيه و رياضة و أكل صحي و محيط عائلي و مدرسي مشجع و داعم له، بأي حال من الأحوال التلميذ ليس ماكينة نقاط و معدلات.

-قدرة الإستيعاب لدي التلميذ في الصباح تكون أفضل بكثير من بعد الظهيرة أي من المستحسن تلقين المواد الأساسية في الصباح.

-لا يزال الأستاذ يعاني من ثقل البرنامج بحيث تصوروا مادة الفيزياء يجبر فيها الأستاذ أحيانا علي تقديم ثلاث دروس دفعة واحدة في ساعة واحدة !!! و هذا التكديس ليس في صالح التلميذ لأن مستوي الهضم و الإستيعاب ليس واحدا لدي كل تلاميذ الفصل. هذا و مساحة شرح الدروس مدعومة بتمارين عدة تتقلص و هكذا يخرج التلميذ من القسم غير راضي و متبرم.

-الإكتضاض عامل آخر معطل، لا يسمح للأستاذ بمتابعة جل التلاميذ و تمارين المراقبة غير كافية لتقييم مردود التلميذ العلمي، أقولها و أكررها، علينا بتوفير أجواء محفزة للتلميذ ليقدم أفضل ما عنده.

-المفاجأة السارة عند سؤالهم عن المطالعة، فأجابوا : نعم نحن نطالع، إما ما يوافق المقرر و إما خارج المقرر و هذة خطوة جد هامة في مسيرتهم الدراسية، المطالعة رافد مهم جدا يرفع من مستوي الطالب.

– يستعين التلاميذ باليوتوب لمراجعة دروسهم علي النت و كما قال لي أحد التلاميذ “أستعمل الأنترنت للدراسة و الترفيه” فحذرته من محتويات تغلف بغلاف الترفيه و هي سموم قاتلة. أكدت للجميع وجوب التعامل مع الأنترنت بحيطة كبيرة، نعم للمراجعة وفق مستوياتكم و لا بأس من الترفيه لكن ضمن ضوابط أخلاقية عالية.

-ساعات الرياضة قليلة، مرتين في الأسبوع غير كافية و إن كان تلاميذ ثانوية المقراني محظوظين فلهم رياضات كرة اليد و السلة و الطائرة و الركض و قد بني مركب رياضي خاص بهم.

-هم شاكرين للإدارة و منضبطين، علي كل حال معي كانوا غاية في الأدب و الإنضباط و مرت أكثر من ساعة معهم كالبرق، طلبوا مني إفادتهم بمسيرتي لعلهم يستفيدون منها، فسمحت لهم بطرح أسئلة مباشرة و قدمت لهم تجربتي المتواضعة و كيف كنت تلميذة في ثانوية المقراني و كيف تعاملت مع الصعوبات التي واجهتها بعيدا عن الدروس الخصوصية.

التلميذ في العموم يريد سماع كل ما هو واقع و ميداني بعيدا عن الشعارات و الخطابات الجوفاء و يحتاج إلي تشجيع و دعم و القول له “انت قادر علي تخطي كل الصعاب بعون الله، ثق بنفسك و توكل علي العلي القدير”

في الختام، عدنا إلي فضيلة الشيخ العلامة الأستاذ عبد الحميد بن باديس رحمه الله و قوافل الشهداء ممن مضوا و قد أهدوا لنا أجمل هدية علي الإطلاق “الحرية” الحرية المسؤولة و المؤمنة التي بدونها لن يتحقق لنا شيء.

دعوت لهم بالتوفيق  الرباني و غادرت.

-أتوجه بالشكر الجزيل و خالص تقديري للسيد مدير ثانوية المقراني و طاقم عمله، اللهم يكثر من أمثالهم و يجازيهم عنا خير الدنيا و الآخرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى