تعليم

هــل يتحمـــل التلميــذ وحـــده مســؤوليـــة نجــاحــه أو رســوبــه؟

بقلم الأستاذة أمال السائحي ح.

كل عام في مثل هذا الوقت بالتحديد بداية من شهر ماي إلى غاية شهري جوان و جويلية، تمر على كل بيت من البيوت أيام جد جميلة تحمل في طياتها النجاح الذي حققته الدراسة الجادة بفضل السهر و التعب و المثابرة و الصبر، على رزنامة الامتحانات، التي ما تكاد تطل حتى تجد البيت كله في حالة استنفار و تأهب كامل ليقوم الوالدان و التلميذ معا ببعض التغييرات التي لا بد منها حتى تكلل جهودهم و جهود أبنائهم بنتيجة إيجابية.

و من جهة أخرى تجد بعض البيوت ينتابها الحزن و الأسى، لما فرطت من انضباطها في أيام الدراسة أو الامتحانات التي كان لزاما عليها أن تقوم ببعض الترتيبات التي تجعل كلا من الوالدين و التلميذ في مستوى واحد، الذي يقتضيهم تقديم بعض التضحيات من أجل التفوق في نهاية السنة المدرسية… سواء أكان ذلك في نطاق الإمتحانات الابتدائية أو التكميلية أو الثانوية.

و يأتي في الأخير كشف النقاط المدرسي، أو نتائج الإعدادية و شهادة البكالوريا.. و ما يحمله من مُعدلات جيدة أو دون ذلك، و ما يحمل من ملاحظات قيمة أو توبيخية، فمن المسؤول هنا عن هذه النتيجة؟

بعض الوالدين هداهم الله، تجدهم يلقون بالمسؤولية كلها على أبناءهم لكونهم لم يتحصلوا على النتيجة التي تشرفهم أمام الأهل و الأحباب و الجيران، أما كان الأولى بهؤلاء الوالدين أن يكونوا هم في المستوى المطلوب مع أبنائهم؟ و يقدموا لهم الرعاية التامة و يحملوهم على الانضباط أيام الدراسة؟ و هل راقبوا أبناءهم و بناتهم أثناء ترددهم على المدرسة، و هل كانوا فعلا يذهبون حقا إلى المدرسة؟ أم أنهم يخرجون من البيت و يتوجهون إلى حيث ما يريد لهم أصدقاؤهم؟ و يعودون آخر النهار حاملين كتبا و كراريس أتعبوا بها أبدانهم فقط…. أم أنهم يدخلون المدرسة و يخرجون منها كما دخلوها…؟ و كانت أوقاتهم كلها تمر في اللعب، أو الشغب، أو الاستهزاء بالأستاذ…

و لتبين الجهة المسئولة عن رسوب التلميذ، طرحنا هذا السؤال على شبكات التواصل ((هل يتحمل التلميذ وحده مسؤولية نجاحه أو رسوبه)) فجاءتنا آراء القراء على النحو الآتي:

تقول السيدة دعاء فاتي: و هي من مصر الشقيقة : سؤال عميق، لا طبعا، أين دور المدرسة و قبلها الأسرة و خاصة الأم التي تشجع و تمدح و تراقب قدرات أبنائها و الأب الذي يدعم أولاده: “كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته”، نحتاج إلى أن نتخلص من فكرة القولبة للأولاد، و كأنهم قطعة صلصال يمكن تشكيلها، و أيضا القبول التام لأبنائنا و بناتنا و مراقبتهم لمعرفة، قدراتهم الحقيقية و من ثم ندعمهم بالشكل الصحيح، موضوع كبير و يستحق إعادة النظر في تربية أبناءنا…

أما السيد أول الغيث من الجزائر فقد أضاف مشكورا: المسؤولية تحتاج إلى تحديدات صحيحة، فبالرغم من توزعها بين كونها فردية و جماعية، إلاّ أن التلميذ هو من سيتحمل كل النتائج لوحده بالنهاية، حين يصل إلى مرحلة من العمر يجد فيها نفسه، مطالبا مجتمعيا بتحمل أعباء الحياة، و يجد أن التحصيل العلمي هو ما يصنع الفارق بين شخص ناجح و فاشل.

ثم أضاف: تحديد المسؤوليات شيء و إلقاء اللوم للخروج من تبعات الرسوب شيء آخر، التلميذ مطالب بالاجتهاد، لكنه غير مطالب بالنجاح، لأن الاجتهاد أمر شخصي ذاتي، و النجاح يتطلب تضافر عدة أسباب، من بينها نوعية البيئة التي يعيش فيها، إذ أننا لا نستطيع لومه على عدم نجاحه في بيئة أسرية صوت الصراخ فيها أعلى من صوت العقل، و صوت التلفزيون أعلى من صوت الأذان، و صوت الشارع أعلى من صوت الضمير، هذا على مستوى البيت أما على مستوى المؤسسة التربوية، فالمعلم اكتفى بدوره التلقيني دون إحساسه بواجب التربية، لهذا نجده يبدع في مستودع الدروس الخصوصية أكثر مما يفعل داخل الفصل، بمعنى آخر: المجتمع يعاني من انفصال التربية عن التعليم، و بدلا من اعتماد المؤسسات التربوية كحواضن لإنتاج شباب الغد، تحشى عقول التلاميذ بكم معين من المعارف و العلوم، كما تسمن الدواجن للبيع في الأسواق، إن نظرتنا للتعليم أصبحت مادية متشيئة، لهذا يحدد المجتمع أهداف التعليم، في الحصول على الشهادة، ثم التوظيف، و اتخاذ هذا النسق الرتيب كمعيار، للنجاح أو الفشل.

أما السيدة ياسمينة صاف من إيرلندا فتقول: أن التلميذ يتحمل مسؤولية المراجعة و ليس مسؤولية النجاح أو الرسوب المدرسي… نجاح التلميذ في المدرسة مرهون بعوامل كثيرة حتى مفهوم النجاح نفسه ينبغي أن يحدد بدقة … شخصيا اعتبر النجاح الحقيقي التدرب على المهارات و تطوير القدرات و تنمية المواهب و من أهم عوامل نجاح التلميذ في ذلك: نجاح التربية الأسرية، و جودة المناهج الدراسية، و نجاعة البرامج، من حيث تنمية المهارات النفسية و الاجتماعية، و المهارات المختلفة (مهارة حل المشكلات و مهارة النقد و النقد الذاتي و النقد العلمي و المهارات الرقمية حسب السن…) و المعلم الناجح الملهم المبدع من جهته، يؤثر في نجاح من حوله من التلاميذ، بذكائه الاجتماعي، و تبسيطه للمنهج، و تيسيره للبرامج… البيئة التعليمية النشطة كذلك، تثير فضول التلميذ، و تدعوه للبحث و الاكتشاف، و توفر له الفضاء التربوي للتعلم و المرح… و محور العملية التربوية و التعليمية، هو التلميذ، و لذلك من الضروري مراعاة قدراته، و ميوله، و رغباته، و اهتماماته خاصة، ليبدع و ينبغي منحه الثقة بالنفس و أن نسعى إلى غرس الرغبة و الفضول في نفسه، و إلى تنمية الاستعدادات النفسية، و تنمية الدافعية للتعلم و البحث، وجب الاكتشاف و المغامرة … بينما الطالب المفروض أن لديه أهدافه الذاتية، التي بناها على قناعات، بعد التوجيه و الإرشاد و النصح، من طرف الوالدين، و الأسرة و المعلمين…. باختصار المرحلة العمرية، تحدد مسؤولية النجاح، فالطالب مسئول عن نجاحه بقدر كبير، لأنه وصل إلى مرحلة التمييز بين الصواب و الخطأ، و يدرك معنى النجاح في الحياة، كلما تقدم في السن، علما أن التربية الحديثة لا تعتبر النجاح في المدرسة مجرد تعلم العلوم و الرياضيات و القراءة و الكتابة، بل النجاح المدرسي يحمل مفاهيم أوسع، و تدريب التلميذ و الطالب على المهارات التي تؤهله، لحياة طيبة متوازنة، و ليس إعداده للوظيفة… تحياتي على إثارة الموضوع الشيق…

و عندما طرحنا عين السؤال على السيد مناف السائحي من الجزائر فقد أجاب بالآتي: في رأيي -إذا سمحتم- التلميذ لا يتحمل مسؤولية رسوبه إلا في حالة واحدة، و هي أن يكون بالغاً راشداً تمام البلوغ و الرشد، على عكس الاصطلاح المعاصر الذي يحصر هذا المصطلح في طلاب المراحل الأولى! و ذلك لأن التلميذ غير البالغ و لا الراشد، هو دائماً موضوع توجيه من البالغين، سواء علموا ذلك أو جهلوه. فالمسؤولية -إذا تعلق الأمر بقصور في استيعابه- تقع على المعلمين؛ و إذا تعلق الأمر بعدم مواءمة الدروس لمرحلته العمرية، تقع على واضعي المناهج التعليمية؛ و إذا تعلق الأمر بتشتت الاهتمامات تقع على أسرته. أما إذا تعلق الأمر بعدم الرغبة في التعلم فتقع على المجتمع بأسره، إذ لم يُعْطِ العلمَ مكانةً تجعل الصغار يرغبون في بلوغها.

أما السيدة كريمة الأخضري من ولاية تقرت فقد قالت موضحة هذه النقطة: العملية التعليمية التعلمية تتضافر فيها الجهود لنحصد نتاجا طيبا، لكن تبدأ المسؤولية أولا على عاتق المعلم الذي عليه أن يعرف كيف يستميل حب تلميذه له و لمادته هذا من ناحية التعامل، و أن يعرف بل أن يكون مؤهلا تأهيلا كاملاً في كونه معلما ناجحا في تخصصه كما و كيفا، إن توفرت هذه الشروط تأتي هنا مسؤولية التلميذ تجاه نفسه و حقها عليه فلابد أن يثابر و يعمل بكد لنجاحه و أي تقصير منه، يتحمل مسئوليته وحده لأنه لا عذر له بوجود المعلم الفذ، لابد للتلميذ أن يعي جيدا أنه يدرس من أجل نفسه و حياته و لا يربط نجاحه من أجل والديه إلا من باب ردّ الجميل لهما بفرحة نجاحه، و لا يكون إلا بموازاة نصائح والديه له، اللذين هما مطالبان بحسن توجيهه و حسن طاعته لمعلمه.

خلاصة القول مسؤولية تحمل رسوب التلميذ أو نجاحه تختلف من تلميذ إلى آخر، فما توفر لهذا، قد يكون منعدما عند الآخر و العكس صحيح. و في الأخير أقول أن النجاح ثمرة حصاد عمل جماعي، و الرسوب ثمرة خلل في أحد الأطراف. اللهم وفق أبناءنا إلى ما فيه الخير لهم.

و أما السيد عماد مهدي من ورقلة فيرى أن التلميذ في جل مراحله الدراسية هو مشروع و إستثمار بداية من الأسرة إلى المؤسسة إلى الدولة، و لذا فإن فشل التلميذ يفسر فشل التسيير إما في المنزل أو المؤسسة، و ما يتناوله أبناؤنا اليوم من متناقضات في مناهجهم التربوية سواء على الصعيد العلمي أو الأخلاقي إنما يفسر فشل الوزارة إن لم نقل تورطها في تحطيم ذهن و شخصية و أخلاق المتمدرس، و يتجلى ذلك أيضا في حجم الشرخ بين الأساتذة و الأولياء في تبادل التهم و تبرير الفشل، لذا أعتقد أن الحل بداية، هو في إبعاد التلميذ عن هذه الضوضاء و إيجاد أرضية حوار بين الأولياء و الأساتذة ليتسنى لهم الوقوف على نفس الخط و نفس الجبهة لاجتياز هذه المهزلة، حقيقة نحن نواجه انهيار الصرح الاجتماعي و على ذوي الألباب أن يتحركوا عاجلا…

أما السيدة نور حورية من بلجيكا فترى أن سبب رسوبه هو المعلّم بحدّ ذاته، و الوالدان، أي المسؤوليّة تقع على عاتق الجميع، و تضيف قائلة: نلوم التّلميذ على رسوبه إن وجد معلّما محنّكا، والدين متابعين له. هنا يتحمّل هذا التّلميذ المسئوليّة وحده، و لا لوم لا على الأستاذ و لا الوالدين. إذا لم يصدر عنهما أي تقصير أو تفريط.

أما الأستاذة الفضلى عتيقة نابتي من سطيف تفضلت بتوضيح أن التلميذ مسكين تقولب في قالب النجاح بمفهوم خاطئ فليس كل ناجح ناجحا، حقا فالغش من أساليب النجاح المعترف بها ضمنيا مرفوضة قانونيا و نسب عالية من التلاميذ تنجح لأنها نجحت في كسب نقاط إضافية بسبب الغش…

أما الأخت الكريمة حياة زيتوني من تيارت فتفضلت مبينة بجملة واحدة نقول بنسبة ٪50 هو من يتحمل مسؤولية نجاحه و رسوبه و الباقي يكون من خلال المحفزات التي تقدم من حوله سواء من الأسرة أو المدرسة…

أما من وجهة نظرنا فنرى أن القاسم مشترك بين التلميذ و أسرته البيتية و التربوية فقبل أن تغضب الأم أو الأب من كشف النقاط الذي لا يروق لهما، أو بناتج الرسوب و إعادة السنة لا قدر الله و يهددا أولادهما بأنهما سيحرمانهم من أي مكافأة أو نزهة و توبيخهم بقسوة، على الوالدين أن يعودا بذاكرتهما إلى ما قبل الامتحان و يعرفا أين خطأ الأبناء أساسا.؟..

و هنا تحضرني قصص حية عن أمهات يحكين تجربتهم مع أبنائهم طيلة عام الدراسة – و خصوصا العاملات – اللاتي يذكرن أنهن لم يجدن حتى الوقت الكافي ليذهبن لمعرفة نتائج أبنائهن، و بعضهن سهَون حتى عن أيام الاختبارات فمرت بسرعة و هن عنها غافلات، و البعض الآخر يقول بأنه مشغول جدا ، ولم ير حتى ولديه كيف توجهوا إلى المدرسة صباحا.. و أخرى تقول بأنها قد خصصت مبلغا للدروس الخصوصية و ذاك بحسبها كاف….

ان الأمر عندما يتعلق بمستقبل أمهات و آباء المستقبل، أظن أن نوعية التفكير هذه يجب أن تكون مغايرة تماما لهذا النمط من التفكير، و علينا أن نستشعر مسؤولياتنا قبل أبنائنا و بناتنا، لأن المال لا يستعيد مستقبل ابنك أو ابنتك، و الوقت الضائع لا يسترجع ما فات منه، فكلنا راع و كلنا مسئول عن رعيته، كما قال النبي صلى الله عليه و سلم، فالكل يسأل عن هذه الأمانة، و أي أمانة إنها أمانة جيل المستقبل بأكمله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى