الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين محمد، و على آله و صحبه و سلم،
و بعد:
جاء في نصيحة أهداها الشيخ الدكتور إبراهيم الرحيلي أستاذ العقيدة في كلية العلوم الشرعية بالمدينة المنورة ما يلي:
“قد يقول القائل: كل الحسنات تدخل الجنة، بعض الآفات تذهب بالحسنات، إذ ليست كل الحسنات مقبولة، و ليست كلّها تبلغ الميزان، هذه الحسنة عزيزة و غالية، و أثرها دخول الجنة و السعادة الأبدية، حسنة واحدة لكن أي حسنة؟ لها مواصفات و لها شروط، و تمر بمراحل، المرتبة الأولى هي مرتبة العلم بهذه الحسنة، هناك من يعتقد أنّه عمل حسنة و هي ليست حسنة، الصلاة حسنة، الأمر بالمعروف حسنة، علمنا أنها حسنة ثم يأتي الفقه، لا بدّ أن يكون فقيها بها، يلاحظ من خوطب بالصلاة، و علم أنّها حسنة، لا يكفي علمه بها أنها حسنة بل لا بدّ من فقه ليؤدّيها على الوجه المشروع من حيث حدودها و ضوابطها، المرحلة الثانية؛ مرحلة الإرادة و العزيمة، حتى تكون نافعة و تدخل بها الجنة أن يجعل الله في قلبك إرادة لهذه الحسنة و لعملها، ثمّ العزيمة، فكما قال شيخ الإسلام: (إذا وجدت العزيمة الصادقة و الإرادة الجازمة وجد العمل)، ثمّ تأتي المرحلة الثالثة هي مرحلة العمل و هي تتفرع إلى أمرين إخلاص و متابعة، أي تبتغي بها وجه الله تعالى، و تؤدّيها على نحو ما شرع الله عزّ و جل لك متأسيا برسول الله صلى الله عليه و سلم، و بعدها تسلم من البدعة الحقيقية و الإضافية، ثم تنتقل هذه الحسنة إلى مرحلة أخرى؛ و هي مرحلة القبول و الكتابة، تحتاج إلى قبول من الله تعالى و كتابتها، فكم من عمل أجهد الإنسان فيه نفسه و لم يقبل، و إلاّ العمل سهل، و لكن هل قبل عند الله؟ و لهذا كان علي رضي الله عنه يقول بعد رمضان:” يا ليت شعري من المقبول فيهنأ”، و تطلب هذه المرحلة بطريقها ؛ و هو أن يتضرّع العبد إلى الله تعالى أن يقبل عمله، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة الكتابة، أن تكتب في ديوانك فإن لم تكتب فليست حسنة، و القبول يستلزم الكتابة، إلاّ أن تأتيها آفة بعد ذلك.
المرحلة الأخيرة هي مرحلة السلامة و الرجحان، الحسنة محاطة بآفات، من آفاتها الحبوط و البطلان، و المظالم التي تذهب بها، فلا بدّ أن تحفظ الحسنة من هذه الآفات، قد يعمل الرجل العمل يبطل حسنته، قال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ و الأذى} المعاصي تحبط ما يقابلها من الحسنات، و السيئة و إن كانت من غير جنس الحسنة قد تبطلها، مثال ذلك من صدّق عرّافا تبطل صلاته أربعين يوما، هذه آفة البطلان، الآفة الثانية هي آفة الحبوط، يذهب العمل و لا يكون له أثر، و من المحبطات الشرك و النفاق، الآفة الثالثة المظالم، كما في الحديث:(أتدرون ما المفلس؟ المفلس فينا من لا درهم له و لا متاع، قال: إنّ المفلس من أمتي، يأتي يوم القيامة بصلاة و صيام و زكاة، و يأتي قد شتم هذا، و قذف هذا، و أكل مال هذا، و ضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته و هذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطياهم فطرحت عليه ثمّ طرح في النار) رواه مسلم .حسنات كالجبال، فيأتي و قد ضرب هذا، و شتم هذا، المظالم آفة عظيمة قد ينساها الكثير من الناس، إذا تحققت السلامة من البطلان و الحبوط و المقاصة من المظلومين، بقيت مرحلة الرجحان،
أي رجحان؟ وصلت الحسنات إلى الميزان، هل سلمت؟ قد ترجح بها السيئات، هنا لم تنفع صاحبها، قد ينتفع بها بعد العقاب، لكن لم يحصل له ذلك النفع الذي نريده؛ و هو أن تدخله الجنة، لا بدّ من الرجحان، هذه حسنة تذهب بسيئة و هذه سيئة تذهب بحسنة، إلا أن تبقى حسنة لم تذهب به السيئات، و هذه هي المقصودة، التي أدخلت صاحبها الجنة، الرجل الذي رجحت كفة حسناته بحسنة واحدة دخل بها الجنة، حسنة عزيزة، مرت بعشر مراحل إلا أن بلغت هذه المنزلة فدخل بها صاحبها الجنة، قد تكون تسبيحة، أو تكبيرة، أو سجدة، قد تكون إرشاد ضال إلى الطريق، أو بشاشة في وجه رجل مسلم، لا يحقر المسلم من المعروف شيئا، لكن هذه الحسنة تحتاج إلى فقه، بأن تحرص عليها بدءا من العلم بها إلى أن تكون راجحة في كفة الحسنات، فإن صدق عليها هذا الوصف، فهي حسنة أدخلت صاحبها الجنة بفضل الله و رحمته، هذه مسألة عظيمة، إذا لم ينتبه إلى هذه المراحل، بدءا من العمل بها، و الفقه بها، و الإرادة و القصد، و الإخلاص و المتابعة، و السلامة من الآفات و السلامة و الرجحان.
ما أعظمها من حسنة، و أعزّها على صاحبها، فكيف إذا كثرت هذه الحسنات، و حرص عليها العبد، فهذا حري به أن يدخل الجنة، لكن الأمر يحتاج إلى فقه. من الناس من يعبد الله كيف ما شاء، و كيف ما اتفق، دون النظر في الفقه و العلم، و لم يراعي الإخلاص و المتابعة.”
نسأل الله التوفيق للجميع. و صلي اللهم على محمد و على آله و صحبه.