في عالمنا الذي يزدحم بالأفكار و المشاعر، هناك دائمًا تلك اللحظات التي نتوقف فيها لنتساءل: ماذا لو كانت كل هذه التساؤلات مجرد مسرحية هزلية؟ ماذا لو كان كل شيء من حولنا مجرد مشهد على خشبة المسرح، و نحن الأبطال، و لكننا ننسى أحيانًا دورنا؟
لنأخذ، على سبيل المثال، فكرة “الحرية”. لطالما نسمع عنها، لكن هل هي حقًا موجودة؟ أم أنها مجرد فكرة تجذبنا إلى مسرح الحياة مثل مغناطيس، و كلما اقتربنا منها، اكتشفنا أنها كانت مجرد وهم؟ نركض وراءها، لكن كلما اقتربنا، نجدها تبتعد. هي كالفراشة التي نطاردها بينما هي لا تفعل شيئًا سوى أن ترفرف حولنا، غير مكترثة.
ثم هناك فكرة “الوقت”. يعطوننا الوقت، و كأنهم يعطوننا شيئًا ثمينًا لنستخدمه كما نريد. لكن الحقيقة أن الوقت ليس ملكًا لنا، بل هو في الواقع من يملكنا. كلما حاولنا التسلل من بين ثناياه، نجد أن الوقت قد استدار خلفنا و أخذ بيدنا مجددًا، ليفضحنا بأننا لسنا أكثر من دمى في يد الزمن.
و إذا تحدثنا عن “المعرفة”، فإننا نجدها كالمرايا المكسورة. نقترب منها، نبحث عن الحقيقة، و لكننا في النهاية نرى أنفسنا فقط. المعارف التي نظنها ثاقبة لا تفضي إلا إلى المزيد من الأسئلة. هل حقًا نعرف أكثر مما نجهل؟ أم أننا مجرد كائنات تبحث في متاهات لا مخرج لها؟
و في خضم كل هذا، لا يسعنا إلا أن نضحك. لأن الحياة، مهما كانت مليئة بالتساؤلات و الألغاز، تبقى لعبة هزلية. كل ما نحتاجه هو أن نضحك على أنفسنا، و أن نرى الحياة كما هي: مسرح مليء بالضحك، و ربما أحيانًا، بعض الدموع.
آسف على الإطالة، لكن إذا تابعنا الغوص في هذا العالم الهزلي، نجد أن كل ما نعتقده ثابتًا يصبح عرضة للسخرية. كالحياة نفسها التي نراها جادة في كل يوم، نبدأ العمل، نركض وراء الأهداف، نحقق الإنجازات، و نضع الخطط، ظنًّا منا أن هذا هو الطريق الوحيد. و لكن هل حقًا نحن متجهون إلى الأمام؟ أم أننا نركض في دائرة مغلقة، و كل خطوة نخطوها تعيدنا إلى حيث بدأنا؟ في النهاية، هل نحن أكثر من مجرد دمى في لعبة لا نعرف قواعدها؟
ثم هناك تلك الفكرة المدهشة، فكرة “النجاح”. هذا المفهوم الذي نطارده و كأننا نسعى وراء سراب. نصل إلى قمة ما ظنناها النجاح، فنكتشف أن القمة كانت مجرد نقطة بداية لرحلة جديدة. و المفارقة أن الرحلة لا تنتهي أبدًا. لذلك، نحتفل بالنجاح و كأننا قد حصلنا على جائزة كبيرة، و لكننا في الحقيقة مجرد فائزين في لعبة لا نعرف هدفها.
و عندما نتساءل عن “السعادة”، نجد أن الإجابة لا تأتي في صورة شيء ملموس يمكن الإمساك به. إنها ليست شيء يمكننا اقتناءه كما نشتري قطعة قماش جديدة أو سيارة فاخرة. بل هي مجرد شعور عابر، يظهر ثم يختفي، مثل لمحة ضوء في ليل طويل. نبحث عنها في الخارج، بينما هي ربما تختبئ في داخلنا، غير مدركة أنها قد تكون مجرد لحظة من القبول.
و لا يمكننا أن ننسى “المعاناة” التي تشاركنا الحياة في عرضها الهزلي. نحن نعتقد أنها جزء من المأساة الكبرى، و لكن هل المعاناة حقًا هي ما يحدد حياتنا؟ أم أنها مجرد مشهد ثانوي، نتورط فيه دون أن ننتبه إلى أن المعاناة نفسها ليست سوى إضافة للمسرحية التي نعيشها؟ ربما هي ببساطة دعوة لنتأمل في معنى الحياة، لكننا نستجيب لها و كأنها عبء يجب تحمله، بينما هي في الحقيقة مجرد فاصل قصير بين مشهد و آخر.
لكن وسط هذه الفوضى، يأتي السؤال الكبير: هل نحن مستمرون في لعبة الحياة أم أن الحياة هي التي تستمر في لعبنا؟ نعود إلى نقطة البداية، نتساءل عن سر هذه الحركات التي لا تتوقف، و كأننا جميعًا نشارك في رقصة مستمرة، حتى دون أن نعرف متى ستنتهي.
و ها نحن، في النهاية، لا نملك سوى أن نبتسم. لأننا قد ندرك في لحظة ما أن كل هذه الأفكار، مهما كانت ثقيلة أو مشوشة، هي مجرد جزء من العرض الكبير. نحن هنا لنعيش الهزل، و نحتفل بالأسئلة أكثر من الإجابات. لأن الحياة ليست أكثر من مشهد مستمر، و كلما ضحكنا، كانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي نتمكن من خلالها من تحمل وزنها.