ربما توقفت الحرب بين الجارتين النوويتين الهند و باكستان، بعد تدخل الولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن تتصاعد إلى حرب نووية، لكن تبقى كشمير ناراً تحت الرماد، تنذر بتجدد التصعيد العسكري بين البلدين الآسيويين.
«قتل و تعذيب و اعتقال»، هذا ملخص صراع الهند الطويل ضد مسلمي كشمير، الذي يمثل بؤرة الصراع بين باكستان المسلمة و الهند الهندوسية؛ حيث تعتبر كشمير حلقة الصراع بين الهند و باكستان، الذي امتدّ عبر 8 عقود، و تسبب في واحدة من أطول الحروب و أعقد النزاعات حول العالم، التي وضع نواتها الاحتلال البريطاني، فكشمير منطقة ذات أغلبية مسلمة، تطالب بها كل من الهند ذات الأغلبية الهندوسية، و باكستان ذات الأغلبية المسلمة منذ نهاية الحكم الاستعماري البريطاني عام 1947م.
جغرافياً، تظهر كشمير كمنطقة جبلية خلابة، و بالرغم من ذلك فإنها من أكثر المناطق عسكرة في العالم، حيث تقع شمال غرب شبه قارة الهند و باكستان و الصين في وسط آسيا، و تُعرف بأنها المنطقة السهلة في جنوب جبال الهملايا من الجهة الغربية، و تبلغ مساحة الإقليم نحو 222 ألفاً و 200 كيلومتر مربع.
و يخضع الشطران الشمالي و الغربي لإدارة باكستان، و يضمان 3 مناطق: آزاد كشمير، وجيلجيت، و بالتستان، بينما يقع الجزء الجنوبي و الجنوبي الشرقي جامو و كشمير و لاداخ تحت سيطرة و إدارة الهند، و قد أُعيد تنظيمهما كأقاليم اتحادية عام 2019م، و يفصل بين الجزئين الخاضعين للإدارة الهندية و الباكستانية خط سيطرة مُتفق عليه في عام 1972م، على الرغم من عدم اعتراف أي من البلدين به كحدود دولية.
بداية الصراع
كانت البداية عام 1947م، عندما رسمت الحدود على عجل، و وقعت كشمير في المنتصف، عقب التقسيم، حيث قسم البريطانيون الهند إلى دولتين؛ باكستان ذات الأغلبية المسلمة، و الهند ذات الأغلبية الهندوسية، و بدأت الأزمة بعدما أصدر البرلمان البريطاني عام 1947م قانون استقلال الهند و بموجبه انتهى الحكم البريطاني لها.
الصراع هو تركة الاستعمار البريطاني الذي قسَّم البلاد إلى دولتين تتنازعان إقليم كشمير ذات الأغلبية المسلمة
تضمن قرار التقسيم أن تنضم الولايات ذات الغالبية المسلمة إلى باكستان، و أن تنضم الولايات ذات الغالبية الهندوسية إلى الهند، على أن يكون انضمام الولايات وفقاً لرغبة السكان، مع الأخذ بعين الاعتبار التقسيمات الجغرافية في كل إمارة، و أسفر التقسيم عن واحدة من أكبر و أقسى موجات الهجرة القسرية في التاريخ، التي تسببت في نزوح الملايين.
و عقب مخطط الاحتلال البريطاني، تُركت ولاية كشمير أمام خيار الانضمام إلى الهند أو باكستان، و تردد حينها حاكم الولاية هاري سينغ في حسم قراره في ذلك الوقت، حيث قرر المهراجا الهندوسي حاكم كشمير الانضمام إلى الهند، رغم أن نحو 77% من سكانها كانوا من المسلمين.
و تجاهل الحاكم الهندوسي بقراره الخطأ رغبة الأغلبية المسلمة بالانضمام إلى باكستان، متجاهلاً حتى القواعد البريطانية السابقة في التقسيم، و بسبب الصراع و التوترات في الإقليم و وضعية كشمير، وهل هي؛ حدودياً و إدارياً، تابعة للهند أم باكستان، نشبت 4 حروب كبيرة، هي:
1- الحرب الأولى عام 1947م:
في أغسطس 1947م، بعد فترة وجيزة من استقلال الهند و باكستان، لم يمر أكثر من شهرين و تحديداً في أكتوبر من نفس العام، اندلعت حرب بين الدولتين المستقلتين حديثاً للسيطرة على كشمير، خاضها رجال قبائل البشتون (مسلمون) من أجل الانضمام إلى باكستان، لتوثق بذلك بداية النزاع الهندي الباكستاني.
فيما طلب حاكم الولاية سينغ تدخل الهند لحمايته، قبل أن توافق بشرط توقيع كشمير على وثيقة انضمام إلى الهند، و هو ما حدث، و أصبح الإقليم رسمياً جزءاً من الهند، دون اعتراف باكستان بذلك.
بسبب التوترات في الإقليم و وضعية كشمير نشبت 4 حروب كبيرة في أعوام 1947 و1965 و1971 و 1999م
و في عام 1951م، قامت ولاية جامو و كشمير بتشكيل جمعية تأسيسية محلية، برئاسة الشيخ محمد عبدالله، التي أقرت في عام 1954م دعم انضمام الإقليم رسمياً إلى الهند، بناء على وثيقة الانضمام التي وقّعها المهراجا هاري سينغ عام 1947م، و اعتبرت الحكومة الهندية هذا القرار تعبيراً نهائياً عن إرادة شعب كشمير، بينما رفضت باكستان الاعتراف به، و بسبب النزاع استمرت التوترات الحدودية، و الاشتباكات المسلحة المتقطعة، إلى حالة من الاستنزاف في الإقليم استمرت نحو 13 عاماً.
2- الحرب الثانية عام 1965م:
استمرت التوترات و أعمال العنف بين الجانبين، على الحدود في كشمير، بعد أن رفضت الهند أي مفاوضات مع باكستان بين عامي 1952 و1964م؛ ما تسبب في اندلاع حرب شاملة في أغسطس 1965م، حين توغلت القوات الباكستانية في إقليم كشمير.
و في يناير 1966م، وقع الطرفان اتفاق طشقند في العاصمة الأوزبكية، أعلنا فيه التزامهما بحل النزاع، و انتهى بعودة الوضع إلى ما كان عليه بعد تدخل دولي و سقوط عدد من الضحايا.
3- ظهور بنجلاديش عام 1971م:
في سبعينيات القرن الماضي، دارت حرب جديدة بين البلدين، في حرب الأسبوعين استطاعت الهند فيها تحقيق انتصار عسكري على الأرض، أدى إلى انفصال باكستان الشرقية عن باكستان لتشكل جمهورية بنجلاديش.
كما أدى التذمر من الحكم الهندي في الثمانينيات و التسعينيات إلى قيام مقاومة مسلحة و احتجاجات كبيرة.
3- الحرب الرابعة عام 1999م:
وقعت حرب كارجيل في إقليم لاداخ شرقي كشمير عام 1999م في ظروف مناخية قاسية، و كانت معركة شرسة بين البلدين، دارت على ارتفاعات التلال و الجبال الشاهقة؛ التي بلغت تضاريس بعضها حوالي 5 آلاف متر.
و قد بدأ الصراع في أوائل مايو 1999م، عندما علم الجيش الهندي بتسلل مقاتلين باكستانيين إلى الأراضي الخاضعة للإدارة الهندية، بعد 3 أشهر من بدء التوغل الذي كان يستهدف الاستيلاء على منطقة كارجيل و إجبار الهند على التفاوض و تسوية نزاع كشمير، و بعد اكتشاف التسلل، شنت الهند عملية عسكرية مضادة، و استمرت الحرب شهرين، حتى ضغطت الولايات المتحدة دبلوماسياً على إسلام آباد؛ ما دفع باكستان إلى الانسحاب بعد واحدة من أعنف المواجهات.
و كانت كارجيل مسرحاً لمناوشات حدودية بين البلدين؛ لما تتمتع به من تضاريس تجعل المسيطر يتفوق إستراتيجياً و جغرافياً على الآخر، و كانت أكبر الاشتباكات و أكثرها دموية، و خاض المسلحون على مدار العقدين الماضيين معارك ضارية مع قوات الأمن الهندية، كان بعضهم يطالب باستقلال كشمير، بينما طالب آخرون بضم كشمير لباكستان.
و كان آخر تصعيد كبير عام 2019م، حين قتل 40 جندياً هندياً على الأقل في تفجير؛ ما دفع الهند لشنّ غارات جوية داخل باكستان، لكن التصعيد توقف قبل تحوّل المواجهة إلى حرب شاملة، و ألغت الهند في أغسطس 2019م الوضع الخاص لكشمير، الذي كان مكفولاً في الدستور الهندي.
جرائم الهند
ارتكبت الهند خلال هذا الصراع الممتد منذ عقود العديد من الجرائم ضد المسلمين تمثلت في:
1- قتل و طرد مئات الآلاف من المسلمين قسراً من كشمير منذ عام 1947م.
2- يستثني قانون الجنسية الهندي الجديد المسلمين من اللجوء، مع تكريس التمييز الديني.
3- نزوح أكثر من 10 ملايين شخص بين البلدين.
4- اندلاع أعمال عنف طائفية مروعة أودت بحياة ما يقدر بمليون إلى مليوني شخص.
5- تمزقت العائلات، و تفككت المجتمعات، و ترك الحدث جروحاً عميقة ما زالت مستمرة حتى اللحظة.
6- تحويل الهند لدولة هندوسية على يد حكومة ناريندرا مودي المتطرفة، حيث هدمت المساجد (مثل بابري)، و اعتقلت العلماء و الدعاة.
الرابط : https://mugtama.com/articles/_%D9%83%D8%B4%D9%85%D9%8A%D8%B1_%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%B6_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%85_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86_%D8%B6%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86