يُقال في الأمثال الشعبية “يخلق من الشبه أربعين”، في إشارة إلى قدرة البشر على إيجاد تشابهات بين الأشياء رغم اختلافها، أو حتى أن يظهروا ملامح شبه مدهشة في حالات بعيدة عن التوقعات. لكن هل فكرنا يومًا في كيفية تكاثر هذه “الأربعين” بشكل ساخر؟ هل يمكن أن تكون هذه المقولة غير مجرد محاولة لتخفيف وقع الزمن، أو مجرد وسيلة للقول إننا نحب أن نرى أنفسنا في الآخرين، مهما كان ذلك من باب المبالغة ؟
الواقع أن البشر كثيرًا ما يخلقون من الشبه أربعين في مختلف جوانب الحياة، سواء على مستوى الشكل أو التصرفات أو حتى المشاعر. ربما كان البعض يلاحظ فجأة أنه في لحظة ما، أصبح يتصرف مثل شخص آخر، في صورة مدهشة و غير متوقعة، حتى و إن كان قد “أنكر” تمامًا في يوم من الأيام أنه يشبه هذا الشخص. هنا تأتي المقولة “يخلق من الشبه أربعين” لتُضفي طابعًا فكاهيًا و واقعيًا في آن واحد على الحياة، كأنما أن كل شيء في هذا العالم، مهما كان بعيدًا أو غير مرتبط، يحمل في طياته شيئًا يمكن أن يراه الناس مشتركًا.
لا يقتصر الأمر على التشابه الجسدي فحسب، بل يمتد إلى عاداتنا و تقاليدنا و أفكارنا. فربما تجد نفسك في مرحلة ما، و بعد الكثير من الأحداث اليومية، تتصرف كما لو كنت قد أخذت من ملامح شخصية أخرى غيرك، ربما كنت ترى فيها خصائص لم تكن تحبها أو تبغضها. و لكن مع مرور الوقت، تجد أن كل شيء يتداخل، و يبدأ الشخص في “اختراع” أوجه شبه جديدة، إلى درجة أنه يصبح صعبًا التمييز بين “أنت” و بين “الآخر” الذي كان يشبهك في البداية. هو، في النهاية، نوع من الخداع الفكري الذي نخلق فيه من التشابه أربعين.
و في هذا الإطار، ليس غريبًا أن نلاحظ أننا نحاول دائمًا أن نخلق من الشبه أربعين في مواقف حياتية معينة، ربما لأننا نشعر براحة عندما نرى أنفسنا في مرآة أخرى. فكلما اقتربنا من حالة مشابهة، شعرنا بأننا نمتلك نوعًا من الأمان أو القدرة على الفهم. في النهاية، نحن جميعًا نتوق إلى التشابه مع الآخرين كوسيلة للبقاء، و كأن التشابه هو الذي يضمن لنا القبول الاجتماعي.
إذاً، “يخلق من الشبه أربعين” ليس مجرد جملة ساخرة بل هي انعكاس لكيفية تشابك واقعنا و حياتنا مع الآخرين. إنها تتحدث عن قدرتنا على التأقلم و التشابه مع ما حولنا، حتى في أشد الفترات غرابة. و في سياق فكاهي، يمكننا أن نرى أنه ربما نحن نبحث عن “الأربعين” ليس فقط في صورنا الخارجية، بل في أفكارنا و أفعالنا و مواقفنا. فكلما وجدنا شبهًا، أنشأنا منهم “أربعين” و أضفنا مزيدًا من التفسير، حتى أصبحت الحياة لعبة ممتعة من التشابهات و التباينات التي تشكل شخصياتنا.
في النهاية، “يخلق من الشبه أربعين” هي ليست فقط قولًا فكاهيًا، بل هي صورة عن كيفية تعاملنا مع العالم في ضوء محاكاة الآخر، محاولة أن نكون جزءًا من شيء أكبر، مهما كانت العواقب. فكما نخلق من الشبه أربعين، نخلق من الفكرة أيضًا أكثر من أربعين تفسيرًا، لنظل نبحث عن هويتنا في وسط كل هذه الفوضى من التشابهات.