سياسة

إيران و الكيان في الميزان.. أين اخطأ العرب؟

بقلم د. هيثم علي الصديان

الفرق بين العاقل و المجنون أن العاقل لديه عقل منسجم مع

واقعه و بيئته و ثقافته؛ فهو دائم الاستنجاد و الاستنجاء بعقله

ليسوّغ له موقعه من محيطه؛ ففائدة العقل أنّه دوماً يجد لك عذرك

و يطرحه بين يديك، على خلاف المجنون الذي لا يسعفه عقله.

لكن حين يعجز الإنسان، فإن هذا العقل المسعف يصير وبالاً عليه

أكثر من المجنون الذي لا يملكه؛ فيصير المجنون أفضل حظّاً من

العاقل العاجز؛ لأن عقله سيظلّ يلجأ إلى تحقيق حالة التوازن له،

لكنّه سيتحوّل من الإشباع إلى التسكين؛ فيصير هذا العقل يمدّ

صاحبه العاجز بالمسوّغات الكاذبة لتتلاءم مع عجزه الجديد. أي إن

الاستنجاء العقلي يفقد عنصر الطهارة عند العجز ليصير عنصر

نجاسة لا بدّ منه، فهكذا سنّة البشر.

فعرب التّطبيع كانت تسوّغ موقفها بالقول إن إيران و الكيان حلف

صهيوصفوي ضدّ المسلمين.

و حين دخلت حماس في حلف مع إيران لأنّها لم تجد داعماً غيرها،

إذ كيف لمطبّع أن يدعم خصم شريكه في التطبيع؟!.. فقال عرب

التطبيع: إنّ حماساً مغرّر بها من الشياطين المجوس، و لن تدعمها

إيران دعماً حقيقيّاً. و حين دعمتها و وقفت إلى جانبها قالوا:

ورّطتها.

 

و حين دخل حزب الله في صراعه الأخير مع الكيان قالوا مسرحيّة.

فحين استشهد أمينه العام قالوا: فطس عميل المشروع الإيراني،

و ذهبوا إلى أنّ هذا جزء من تفاهمات الكيان و إيران تحت الطّاولة،

علماً أنّ التطبيع يتمّ فوق الطاولة. فصار العيب ليس في التطبيع،

بل في الطاولة من حيث هل هو فوقها أم تحتها؟!

و حين ضربت إيرانُ الكيان: سخروا و قالوا: تمثيليّة عاجز.

و اليوم دخل الكيان في حرب شاملة مدمّرة مع إيران، فقالوا: فخّار

يكسّر بعضه؛ هذا كيد الله يوقعه بالظالمين…

و مع أنّ هذا التّسويغ الكاذب هو آليّة عقليّة ضروريّة لا بدّ منها

للعاجزين… لكنّ هذا العاجز لم يسأل عقله يوماً: أن مسوّغاتك و

إن كانت كاذبة لكنّها مضحكة مبكية…؟!

ملاحظة: لا شكّ أنّ حكم الملالي ارتكب جرائر فادحة بحقّ شعبه

و حق جواره… لكنّ البديل القومي الفارسي الذي يحضّره الكيان

هو العدوّ الحقيقي القادم، أو على الأقل سيكون شريكاً حقيقياً

للكيان. و ستتحوّل إيران من بلد مسلم شيعي يشترك معنا بجوهر

ثقافتنا، إلى بلد فارسي لم يتعوّد على العرب إلا أتباعاً له….

الخلاف المذهبي كان موجوداً بصراعاته المختلفة منذ فجر

الإسلام، فهو لا يهدّد وجودنا و لم يعق الحضارة الإسلاميّة… لكن

الكيان يشكّل خطراً وجودياً و ليس مذهبيّاً. و لقد سبقنا

الأرثوذوكس البيزنطيّون حين هاجمهم العثمانيّون، فقالوا: عدوّنا

الكاثوليكيّ أخطر من العثمانيّين؛ فدالت دولتهم قبل الكاثوليك، و

لم يحاول نجدتهم إلّا روما الكاثوليكية.

هناك مخطّط يُراد منه أن نرى الشيعة عدوّنا لا الكيان. و المقصود

ليس إيران الفارسيّة، بل إيران المسلمة.

ثم إنّ العراق البلد المسلم السنيّ غزا الكويت حرباً… فهل صار

أخطر من الكيان…

لكن انظروا أثر التحالف يومذاك مع الغرب ضدّ العراق… تحالف

مازلنا نجني “ثماره” إلى اليوم…. إن القول بأن الكيان أفضل من

إيران هو عينه القول بأن بوش أفضل من صدّام أو أمريكا أقرب إلينا

من العراق…

لو أنّ مسلماً كرديّاً يعتزّ بدينه و يحبّ قوميّته…. فهل في هذا

عيب؟

فهو تَبَعاً لدينه يكره الكيان، و تَبَعاً لقوميّته يكره سياسات تركيا

كذلك…. فهل في هذا عيبٌ آخر؟

فلو أنّ تركيا انضمّت للحرب مسانِدةً إيران، أو أنّ الكيان بعد فراغه

من إيران- لا قدّر الله- توجّه نحو تركيا؛ فردّد هذا المسلم الكرديّ

عبارة اليوم المشهورة: ” اللهمّ اضرب الظّالمين بالظّالمين”… فهل

في هذا الدعاء شرعاً و أخلاقاً و نضجاً عقليّاً عيبٌ جديدٌ؟

هذا سؤال للذين يفصّلون الدين لباساً على مقاس شهواتهم

و شياطينهم…

لا تكذبوا على أنفسكم و على غيركم… اليومَ لا طرفَ ثالثاً في هذا

المشروع؛ هناك مشروع صهيونيّ لتغيير بنية المنطقة و عقيدتها

و ثقافتها، فإمّا مع أو ضدّ؛ ضاع عليك شرف أن تكون إمّعة متفرّجاً

فقط؛ فلا تحاول أن تتشبّث بهذا الشرف الإمّعيّ.. أنت مشارك مع

أو ضدّ، و الكيان لا يريد منك أكثر من الكلمة التي تتباها بها،

و تتوهّم أنّه مُنّ عليك بمندوحة الإمّعيّة التّفرّجيّة… كلٌّ له دور،

و الكيان مستحكم بأدواته و قد هيّأها لهذه المرحلة… و اللعب صار

على المكشوف، لا أحد يخجل من دوره….

كنّ أينما تريد… لكن لا تتاجر علينا بدينك فهو دينك وحدك.

لقد كُسر الإسلام السنيّ يوم ذاك التحالف… و اليوم لكسر الطرف

الآخر المتبقّي سياسيّاً.

كاتب سوري

الرابط : https://www.raialyoum.com/%d8%a5%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d9%86-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%8a%d8%a7%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8a%d8%b2%d8%a7%d9%86-%d8%a3%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d8%ae%d8%b7%d8%a3-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى