إِرِتْرِيَا و يقال إِرِتْرَة (بالتجرية: ) و اسمها الرسمي دَوْلَةُ إِرِتْرِيَا[20] من دول القرن الإفريقي و عاصمتها أسمرة. يحدها السودان من جهة الغرب و من الجنوب تحدها إثيوبيا، أما من جهة الجنوب الشرقي فتجاورها جيبوتي. تملك إرتريا عند الأجزاء الشمالية الشرقية و الشرقية منها خطاً ساحليا واسعاً على طول البحر الأحمر. تبلغ مساحة الدولة نحو 117,600 كم2 (45,406 ميل مربع)، و تشمل أرخبيل دهلك، و بعض من جزر حنيش. و يستند اسمها إرتريا على الاسم اليوناني للبحر الأحمر (Ἐρυθρὰ Θάλασσα Erythra Thalassa)، الذي اعتمد لأول مرة لإرتريا الإيطالية في عام 1890.
إرتريا بلد متعدد الأعراق، مع تسع مجموعات عرقية معترف بها في عدد سكانها نحو 8 ملايين. معظم السكان يتحدثون اللغات من عائلة اللغات الإفريقية الآسيوية، إما من اللغات السامية الإثيوبية أو فروع من اللغات الكوشية. من بين هذه المجتمعات، تشكل نحو 55% من السكان، و يشكل شعب التيجر نحو 30% من السكان. بالإضافة إلى ذلك يوجد عدد من الأقليات العرقية النيلية الصحراوية الناطقة. معظم الناس في الإقليم يلتزمون بالمسيحية أو الإسلام. مع أقلية صغيرة ملتزمة بالمعتقدات الإفريقية التقليدية.[21]
تأسست مملكة أكسوم، التي تغطي الكثير من إرتريا الحديثة و شمال إثيوبيا، خلال القرن الأول أو الثاني الميلادي. تبنت المسيحية في منتصف القرن الرابع. في العصور الوسطى، سقطت الكثير من إرتريا تحت مملكة مدري بحري.
إن إنشاء إرتريا المعاصرة هو نتيجة لإدماج ممالك مستقلة و سلطنة مستقلة (على سبيل المثال، مدري البحري و سلطنة أوسا) مما أدى في النهاية إلى تكوين إرتريا الإيطالية. بعد هزيمة الجيش الاستعماري الإيطالي في عام 1942، كانت إرتريا تدار من قبل الإدارة العسكرية البريطانية حتى عام 1952. بعد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، في عام 1952، كانت إرتريا تحكم نفسها مع برلمان إرتري محلي و لكن من أجل الشؤون الخارجية و الدفاع، فإنها تدخل إلى وضع فدرالي مع إثيوبيا لمدة 10 سنوات. و مع ذلك، في عام 1962 ألغت حكومة إثيوبيا البرلمان الإرتري و ضمت إرتريا رسمياً. لكن الإرتريين الذين جادلوا بالاستقلال الكامل لإرتريا منذ الإطاحة بالإيطاليين في عام 1941، توقعوا ما هو قادم، و في عام 1960 نظمت جبهة التحرير الإرترية في المعارضة. في عام 1991، بعد 30 عامًا من الكفاح المسلح المستمر من أجل الاستقلال، دخل مقاتلو التحرير الإرتريون العاصمة أسمرة منتصرين.
إرتريا هي دولة الحزب الواحد التي لم تجر فيها انتخابات تشريعية وطنية منذ الاستقلال. وفقاً لهيومن رايتس ووتش، سجل حقوق الإنسان للحكومة الإرترية هو من بين الأسوأ في العالم. و قد رفضت الحكومة الإرترية هذه المزاعم باعتبارها ذات دوافع سياسية. تتطلب الخدمة العسكرية الإلزامية فترات تجنيد طويلة إلى أجل غير مسمى، يغادرها بعض الإرتريين لتفادي التجنيد. و لأن جميع وسائل الإعلام المحلية مملوكة للدولة، فقد صُنفت إرتريا أيضاً على أنها تملك ثاني أقل حرية صحافة في مؤشر حرية الصحافة العالمي، بعد كوريا الشمالية فقط.
دولة إرتريا ذات السيادة هي عضو في الاتحاد الأفريقي و الأمم المتحدة و الهيئة الحكومية الدولية للتنمية، و هي مراقب في جامعة الدول العربية إلى جانب البرازيل و فنزويلا و الهند و تركيا.
جغرافيا
تقع إرتريا في منطقة القرن الإفريقي في الجنوب الشرقي لقارة إفريقيا قبالة شبه الجزيرة من الناحية الجنوبية بين دائرتي عرض 15- 18 شمالًا و خطي طول 36- 43 شرقًا. يجاور إرتريا من الشمال و الغرب جمهورية السودان و تشترك معها في حدود يبلغ طولها 605 كم و من الجنوب جمهورية إثيوبيا و يبلغ طول الحدود بينهما 912 كم و جيبوتي من الجنوب الشرقي بحدود طولها 113 كم. كما تطل على البحر الأحمر شرقًا و يبلغ طول الساحل 1000 كم. تتواجد على الشاطئ الغربي للبحر الأحمر في نقطة حاكمة عند مدخله الجنوبي و على مقربة من مضيق باب المندب ذي الأهمية الإستراتيجية البالغة؛ فهي تشبه مثلثا محصورا بين إثيوبيا و السودان و جيبوتي،
و تبلغ مساحتها نحو 120 ألف كم2 تتنوع فيها التضاريس و المناخ، و تمتلك شاطئًا يمتد ألف كيلومتر على البحر الأحمر، يمتد من «رأس قصار» على الحدود السودانية شمالًا إلى باب المندب في «رأس أرجيتا» في جيبوتي جنوبًا، و يقع في هذا الساحل أهم موانئ البحر الأحمر و هما: «عصب» و«مصوع».
و تتبع إرتريا (126) جزيرة، أهمها أرخبيل دهلك و به نحو 25 جزيرة، أهمها من الناحية الإستراتيجية جزيرتا «فاطمة» و«حالب». و يزيد عدد السكان عن ثمانية ملايين نسمة.
تكمن أهمية الموقع في ارتباط البلاد بين أقرب و أقصر طرق الملاحة بين المحيط الهندي و البحر المتوسط مما يجعلها تشكل حلقة وصل بين القارات الكبرى الثلاث آسيا و إفريقيا و أوروبا، و هي قريبة من المناطق المقدسة في شبه الجزيرة العربية و من مناطق إنتاج النفط في الخليج العربي و دول شرق إفريقيا. كما تشكل الجزر الإرترية نقاط ارتكاز و تحكم للقوى العسكرية في الصراع الإقليمي و الدولي في المنطقة.
التضاريس
إن إرتريا تتميز بتنوع كبير في تضاريسها و معالمها البيئية، و حسب المعطيات الجغرافية يمكن تقسيم سطح إرتريا إلى ثلاثة معالم طبيعية كما يلي:
- المرتفعات: و التي تتكون من الهضبة الوسطى و التلال و الهضاب الشمالية المنحدرة نحو الأراضي المنخفضة في شرق و شمال إرتريا و هذه المرتفعات في مجملها تشكل الهضبة الإرترية التي تمثل امتدادا طبيعيا للهضبة الإثيوبية.
- الأراضي الساحلية: و التي تمثلها الشواطئ الواقعة على البحر الأحمر، على امتدادا 1000 كم، و على الرغم من أن البحر الأحمر قليل التعرجات و الخلجان إلا أن الشاطئ الإرتري يتمتع بخلجان أهمها خليج عصب الذي توجد به مجموعة جزر يتجاوز عددها 20 جزيرة و كذلك سواحل الجزر التابعة لإرتريا و من أهمها جزر دهلك.
- الأراضي السهلية و تشمل:
- السهول الشرقية: و هي المناطق التي تقع شرق إرتريا حيث إقليم دنكاليا و تمتد إلى الشمال حيث أقاليم الساحل و هذه السهول تتخللها سلسلة من الهضاب و الجبال و كذلك الأرخبيلات.
- السهول الغربية: و هي المناطق الواقعة في غرب إرتريا ابتداء من منحدرات الهضبة الوسطى و امتدادا إلى الحدود السودانية، و هي تمثل أوسع الأقاليم الإرترية، و تمثل جزءا من مراعي السافانا الحارة التي تكثر فيها الماشية باستثناء الأجزاء الغربية من منطقة حوض القاش و ستيت.
أهم الأنهار
- نهر القاش: يبلغ طوله 440 كلم، و يطلق على القاش اسم مأرب في جزء من أجزائه، و يرى الباحثون أن هذا الاسم إنما يعود إلى بعض الهجرات اليمنية إلى إرتريا، و أن هذا اللفظ إنما استخدمه المهاجرون من اليمن تذكرا لمأرب اليمني الذي بني عليه سد مأرب، ينبع من الهضبة في المرتفعات الجنوبية و ينتهي بمستنقع في السودان بعد مدينة كسلا في شرق السودان.
- نهر بركة: طوله 630 كلم داخل إرتريا، ينبع من الجزء الغربي من الهضبة و ينتهي في الساحل الشمالي للسودان و في مواسم الأمطار الغزيرة يصب في البحر الأحمر.
- نهر عنسبا: و أصل تسميته عين سبأ، يصب في نهر بركة و يعتبر رافدا من روافده، و للعلم أن الأقمار الصناعية الأمريكية اكتشفت مؤخرا في منطقة بركة بحيرة عميقة تتمتع بمخزون مائي لا مثيل له في المنطقة، و يمكنها سد حاجة الشعب الإرتري من الماء و الطاقة الكهربائية لمدة 250 سنة قادمة.
- نهر سيتيت: و هذا هو النهر الوحيد في إرتريا الذي لا يحمل صفة موسمي حيث أن كل الأنهار السابقة هي موسمية. و لكن مشكلة هذا النهر هي كونه على الحدود الإثيوبية بل و يشكل الحدود الطبيعية بين البلدين، لذا فإنه لم تتم الاستفادة منه، و يمتد هذا النهر إلى السودان حيث يعرف هناك بنهر (عطبرة) ليصب في النيل عند مدينة عطبرة.
أما الأودية التي تصب نحو الشرق من الهضبة الإرترية، فأهميتها الاقتصادية أقل من تلك التي تصب نحو الغرب، بالنظر إلى ضيق المساحات التي ترويها، و أهم هذه الأودية: وادي علي قدي و يروي سهول زولا حيث أقيم سد صغير. و على مقربة منه وادي حداث و كميلي، كما يروي مزارع بدا في منطقة دنكاليا، و يمتد إلى هضبة التيجراي. أما مزارع (امبيرمي) و (قد قد) و (سقب) فترويها أودية تصب من هضبة حماسين و الهضبة الشمالية. و قد أقام (داندي)، و هو الإيطالي المتخصص في زراعة الموز و الفواكه، سداً في ينقوس بالقرب من قندع يروي المزارع في مرتفعات قندع و أسمرا، و قد أقامت شركة سداو للكهرباء بحيرات اصطناعية في (بلزا) بالقرب من أسمرا لتجميع مياه السيول، و استغلالها في توليد الكهرباء، و يعد مشروعاً ناجحاً يمد أسمرا بالكهرباء إلى جوانب فوائده الزراعية. و تؤكد الدراسات التي خلفها الإيطاليون وجود إمكانيات اقتصادية ضخمة باستغلال مساقط المياه، و بإقامة بحيرات اصطناعية لتوليد الكهرباء و تنظيم الري.

المساحة
تغطي إرتريا رقعة من الأرض تقدر بنحو 121320 كم2 بما في ذلك جزر دهلك، و اعتمادا على المساحة تصنف إرتريا ضمن الأقطار الصغيرة في حجمها و مساحتها.
تتميز خارطة إرتريا بتباعد في الشكل بين أنحائها و أقاليمها، فبينما يبدو التوازن النسبي في شكل الأقاليم الشمالية و الغربية و الوسطى فإن إقليم دنكاليا يمثل امتدادا شريطيا ضيقا بمحاذاة البحر الأحمر، و عمومًا إرتريا في مجملها تمثل شكلًا مثلثًا تقوم قاعدته على امتداد واسع مع الحدود السودانية.
المناخ
يتباين المناخ في أرتيريا بين المناخ الحار الصحراوي الجاف في المناطق المحاذية لإثيوبيا إلى المناخ المعتدل الرطب في مناطق الجنوب الغربي. و تسقط الأمطار في كل أنحاء أرتيربا صيفاً باستثناء الشريط الساحلي (مينائي مصوع و عصب) من يونيو (حزيران) حتى سبتمبر (أيلول)، و تصل درجة الحرارة في الشريط الساحلي صيفاً إلى 45 سنتيجراد و تنخفض شتاءً إلى 18 سنتيجراد في أقصى حالات البرودة. و ترتفع في صحراء دنكاليا صيفاً إلى 48 سنتيجراد، و هي أعلى درجة حرارة في العالم، و قد درست بعثة علمية في عام 1970م إمكانية استغلال حرارة الشمس في منطقة دنكاليا لتوليد الكهرباء بواسطة توربينات خاصة. تبلغ نسبة الأمطار في مصوع 7 بوصات في السنة، و في عصب 3 بوصات، و تسقط الأمطار شتاءً في ديسمبر (كانون الأول) حتى مارس (آذار)، أما في بركا فيبلغ متوسط سقوط الأمطار 15 بوصة، و في حوض القاش و ستيت 25 بوصة، و بالنظر إلى هطول الأمطار شتاءً و صيفاً فإن منطقتي قندع و فلفل تتمتعان بأعلى منسوب لمياه الأمطار إذ يصل إلى 45 بوصة سنوياً.
تاريخ
تشكل إرتريا عمقا إستراتيجيا مهما لكل الدول المطلة على البحر الأحمر باعتبارها البوابة الجنوبية المشرفة على مضيق باب المندب. بشق قناة السويس عام 1869 م جعل من البحر الأحمر أحد أهم الطرقات البحرية في العالم، بعد أن كان معزولا و بعيدا لفترة طويلة من الزمن، و تحولت الزاوية الشمالية الشرقية من ملجأ معزول إلى سوق كبيرة تشكل مصدر ثروة و قوة.
تشكل إرتريا منذ قديم الزمان حلقة اتصال تجاري و حضاري بين أفريقيا و شبه الجزيرة العربية، و لا شك أن هذا الموقع الإستراتيجي الهام قد جعل إرتريا منطقة صراع و نفوذ، و موضع اهتمام و أطماع المستعمرين عبر التاريخ حيث تعرضت لعدة حقب استعمارية.
مصوع بلد الإسلام
في شهر رجب من العام الثامن قبل الهجرة سنة 614 م كانت الهجرة إلى الحبشة البعثة الإسلامية الأولى على أرض مصوع أو (باضع) كما كان يطلق عليها العرب قديما، هناك قام الصحابة ببناء أول مسجد في الإسلام المسمى بمسجد رأس مدر [بحاجة لمصدر]. و مصوّع هي بوابة دخول الإسلام في أفريقيا.
من أشهر ملوك البجه الملك بشر بن مروان بن إسحق و بسط أمراء هذا البيت نفوذهم على ممالك البجه المترامية الأطراف من مصوع حتى جنوب أسوان و تولوا حكوماتها بتقليد من مصر و كان يلقب أمير البجه (الحدربي) نسبة إلى العنصر الممتاز و كان يكتب له في الأبواب السلطانية المصرية حتى أوائل القرن التاسع الهجري بالعنوان الآتي: المجلس السامي الأميري الحدربي و بقوا على هذه الحالة حتى آخر عهد المماليك، و كان تحت بشر بن مروان 3000 محارب من ربيعة و مضر و اليمن و 30 ألف من الحداربة من مسلمي البجا ممن أسلموا نتيجة لتداخلهم مع ربيعة. و بقيت مملكة البجه في العائلة الحدربية إلى عهد السلطان سليم عام 923 م حيث أمر بسلخها عن الخلافة العثمانية و ولي عليها أمراء و أتبعها لمصر.
مملكة بلاد البجا
البجا بضم الباء الموحدة و فتح الجيم و ألف في الآخر و هم من أصفى السودان لونًا، قال ابن سعيد و هم مسلمون و نصارى و أصحاب أوثان و مواطنهم في جنوبي صعيد مصر مما يلي الشرق فيما بين بحر القلزم (البحر الأحمر) و بين نهر النيل على القرب من الديار المصرية و قاعدتهم سواكن بفتح السين المهملة و الواو و كسر الكاف و نون في الآخر و قال في تقويم البلدان في الكلام على بحر القلزم و هي بليدة للسودان حيث الطول ثمان و خمسون درجة و العرض إحدى و عشرون درجة.
قال أبو العباس القلقشندي في كتابه صبح الأعشى في صناعة الإنشا و قد أخبرني من رآها أنها جزيرة على طرف بحر القلزم من جهته الغربية قريبة من البر يسكنها التجار و صاحبها الآن من العرب المعروفين بالحداربة بالحاء و الدال المهملتين المفتوحتين و ألف ثم راء مهملة و باء موحدة مفتوحة و هاء في الآخر و له مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية و يقال في تعريفه الحدربي بضم الحاء و سكون الدال و ضم الراء.
كان للبلوان و الحداربة خمس ممالك، ثلاث منها ضمن حدود إرتريا حاليا و اثنان ضمن حدود السودان. اشتهرت مدينة عيذاب الميناء البجاوي كميناء رئيسي لحجاج بيت الله الحرام من المصريين و السودانيين، و كانت زاهرة بالعمران و التجارة و كانت عيذاب مقر ملك البجه الحدربي في الإقليم الشمالي.
لقد كان على عيذاب والي من مصر يقتسم ريعها مع زعيم البجا (الحدربي). و قد تزايد نصيب زعيم البجا من نصف الدخل إلى معظمه ثم كان نصيب الحدربي، ممن كان عليه تأمين التجارة من شرور قومه، الثلثين لدى زيارة ابن بطوطة للمنطقة، حيث رأى ابن بطوطة في رحلته إلى عيذاب سلطان البجا الأمير الحدربي و هو يحارب الأتراك حتى هربوا منه و خرق السفن، فاضطر ابن بطوطة إكمال رحلته برّا عن طريق سيناء. أنشأ الحداربة البلوان مدينة هجر نسبة لمدينتهم في جزيرة العرب، و كانت عاصمة ممالك البجا للزعيم العربي.
الكفاح المسلح و حركة التحرير
على إثر تصاعد حملات القمع و الإرهاب عام 1958، اضطر عدد كبير من العمال الإرتريين إلى الهجرة إلى الأقطار المجاورة، و بادر عدد منهم إلى تأليف تنظيم ثوري حمل اسم حركة التحرير الإرترية و اتخذ قاعدة له في بور سودان، و سرعان ما امتدت الخلايا السرية لهذا التنظيم إلى الكثير من المدن الإرترية. ثم شهد عام 1960 أول تأليف لجبهة التحرير الإرترية بين العمال و الطلبة الإرتريين في المشرق العربي، و انتقل نشاطه في العام التالي إلى جبال إرتريا إثر الانتفاضة التي قادها حامد إدريس عواتي في 1 سبتمبر 1961 مع بضعة مقاتلين يحملون بنادق إيطالية عتيقة، و قد تبنّت الجبهة تلك الانتفاضة لتحوّلها في مدى سنوات قليلة إلى ثورة مسلحة منظمة انسجاماً مع أهداف التحرير التي حددها دستور الجبهة، و في مقدمتها الاستقلال الوطني الكامل عن طريق الكفاح المسلح المدعم بجهود سياسية و دبلوماسية في الخارج. و اختار المؤسسون أن يكون إدريس محمد آدم أول رئيس للجنة التنفيذية للجبهة. و قد تطور الكفاح المسلح بإمكانات ذاتية بسيطة و بدعم من بعض الأقطار العربية، و في مقدمتها سوريا، إلى مقاومة حملات قمع و إبادة إثيوبية شرسة شملت مئات الألوف من الضحايا الإرتريين، و اتسمت بعض تلك الحملات باتباع سياسة الأرض المحروقة للقضاء على المحصولات الزراعية و قتل المواشي، و إبادة المواطنين بالجملة من دون تمييز، كما حدث في حملات 1967 و1970 و1974 و1975 على التوالي فشردت أعداداً كبيرة من الإرتريين في الصحارى و الغابات، و عبرت أعداد أخرى الحدود إلى السودان، الأمر الذي أدى إلى نشوء مشكلة اللاجئين الإرتريين هناك، في حين سيطرت حركة المقاومة الإرترية على معظم الريف الإرتري، و تمكنت من تحرير بعض المدن، و كانت سيطرة جبهة التحرير تتسع أو تتقلص بحسب ظروف المواجهة و تطوراتها. و في هذا السياق، عقدت حركة المقاومة الوطنية الإرترية أكثر من مؤتمر لها في الأراضي المحررة، و لم تنج من التعدد و الانقسامات التي فرضها تباين منعكس المعاناة الداخلية، و رواسب المجتمع و التداخلات الخارجية أحياناً.
إثر سقوط نظام منگستو هايله مريم في أثيوبيا بتاريخ 25 مايو 1991 و في الوقت الذي أصبحت فيه إرتريا على عتبة الاستقلال، شهدت الساحة الإرترية صراعات داخلية أفرزتها التعددية السياسية في بنية حركة التحرر، و يعد تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا من أكبر التنظيمات و أقواها على الساحة، إضافة إلى تنظيمات أخرى أهمها: (جبهة التحرير الإرترية – التنظيم الموحد، و جبهة التحرير الإرترية – المجلس الثوري، و جبهة التحرير الإرترية – المجلس الوطني).
و لقد تحقق للإرتريين النصر و الاستقلال و السيطرة على العاصمة أسمرة في عام 1993. أجري على أثره الاستفتاء في العام المذكور، فكانت نتيجته إجماع شبه تام (99.8٪) لصالح الاستقلال الكامل. و هكذا أعلن استقلال إرتريا في نيسان من عام 1993، و اعترفت بها دول كثيرة.
تحالفت الجبهة الشعبية بزعامة أفروقي مع المعارضين الإثيوبيين بزعامة ميلس زيناوي تحت رعاية الإدارة الأمريكية في مؤتمر عُقد بلندن نسق له وليام كوهين مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية، و ذلك لإسقاط نظام مانجستو، و انتهى المؤتمر باتفاق رعته واشنطن يقضي باعتراف أثيوبيا بحق تقرير المصير للشعب الإرتري على أن يختار بين الوحدة و الانفصال، مقابل أن يلتزم أفورقي بدعم زيناوي في سعيه للتغلب على مناوئية السياسيين و تولي السلطة، و أن تسمح إرتريا عندئذ باستخدام إثيوبيا ميناء عصب و كذا مصوع للأغراض التجارية.
و نجح الطرفان في إسقاط مانجستو، و تولى زيناوي حكم إثيوبيا، و أعلن استقلال إرتريا في 25 ماي 1991م، و تشكلت حكومة مؤقتة أجرت استفتاء عاما على الاستقلال تحت إشراف الجامعة العربية و الأمم المتحدة و منظمة الوحدة الإفريقية، و جاءت نتيجته 99% للاستقلال؛ فأصبحت إرتريا دولة مستقلة ذات سيادة في 1 ذي الحجة 1413 هـ الموافق 23 ماي 1993م، ثم انتخب أسياس أفورقي رئيسا للبلاد.[23]
دخلت إرتريا صراعاً مع اليمن بسبب احتلال القوات الإرترية أرخبيل حنيش الكبرى اليمنية في البحر الأحمر، ذات الأهمية الإستراتيجية لوقوع الجزر في طريق الملاحة البحرية بين مضيق باب المندب و قناة السويس. و على الرغم من الاتفاق على معالجة المسألة سلمياً في 3 ماي 1996 فقد استمر احتلال الجزر حتى حكمت محكمة العدل الدولية بتبعيتها لليمن في تشرين الأول عام 1998. و تم تقسيم باقي الجزر الأخرى بين اليمن و إرتريا على أن تكون لصيادي السمك المحليين حقوق في استخدام الجزر.
الحكومة و السياسية
على رأس الجهاز الحكومي الإرتري رئيس تولى رئاسة الحكومة منذ الاستقلال عن أثيوبيا. و لا توجد انتخابات و لا يسمح بإنشاء الأحزاب و يعد حزب الجبهة الشعبية للديمقراطية و العدالة الحزب الوحيد في البلاد و لا يسمح لأي كان بإنشاء حزب. و قد تولّى هذا الحزب إدارة الحرب حتى استطاعت إرتريا نيل استقلالها.[24]
و قد وقع انقلاب عسكري احتلت فيه قوة من وزارة الدفاع الإرترية مبنى وزارة الإعلام و لكن النظام تمكّن من القضاء عليها و كان ذلك في 21 مارس من عام 2013.
الاقتصاد
تمتلك إرتريا كمية كبيرة من الموارد مثل: النحاس و الذهب و الجرانيت و الرخام، و البوتاس. و قد شهد الاقتصاد الإرتري تغيرات متطرفة بسبب حرب الاستقلال الإريتيرية.
المعادن
تتميز إرتريا باحتوائها على ثروة معدنية مهمة يجري استثمار بعضها استثماراً تجارياً متذبذباً لفقدان الاستقرار السياسي قبل الاستقلال و بسبب ثورة التحرر الوطني التي قامت من أجل الاستقلال و أبرز المعادن المكتشفة النفط و النحاس و البوتاسيوم و الذهب و اللغنيت و الحديد و الألمنيوم و الفضة و النيكل. و قد كشف النفط في جزيرة دهلك و جنوب شرقي مدينة مصوع، و تقوم الشركات الأمريكية و الهولندية بالتنقيب عنه. و تقع أكبر مناجم النحاس في منطقة «دياروا» قرب أسمرة، و تستخرج الاستثمارات اليابانية نحو 6000 طن من النحاس شهرياً، و تتوسع الشركات الأمريكية باستخراج الفوسفات و تسويقه منذ عام 1949.
الزراعة
تعتبر الزراعة من مصادر الاقتصاد الهامة في البلاد، إذ تعد أرتيريا بلداً زراعياً رعوياً، يمارس فيه أكثر من 90% من مجموع السكان الزراعة و الرعي، و تؤلف زراعة الحبوب نحو 87% من مجمل المحصولات، و أهمها الذرة و القمح و الشعير و الطاف (نوع من الحبوب يخلط مع الذرة لصنع الخبز الوطني)، و تتوزع بقية المزروعات بين البن و التبغ و القطن و الفواكه المدارية. و تعد الذرة غذاء رئيسياً للسكان في السهول الغربية و الشرقية، في حين تنتشر زراعة القمح و الطاف في الهضبة، و قد توسعت مؤخراً زراعة الموز في منطقة وادي بركة و هو من المنتجات المعدة للتصدير.
و على وفرة الإمكانيات الزراعية، ما زالت إرتريا بعيدة عن التطور الزراعي لحداثة استقلالها بسبب إهمال الإدارات المستمرة و المتوالية، و فقدان الاستقرار السياسي منذ أن ضمت البلاد إلى أثيوبيا، و كثيراً ما ألحقت المجاعات خسائر باهظة بالإرتريين.
الرعي
تهيمن حرفة الرعي إلى جانب الزراعة، على قطاعات واسعة من السكان، و تمتلك إرتريا نحو 10 ملايين رأس من الأبقار و الجمال و الأغنام. و قد تأثر تكاثرها بحالة الحرب التي عاشتها البلاد منذ عام 1960 م، و تحاول الشركات الأجنبية استثمار الإنتاج الحيواني في صناعة اللحوم لتصديرها إلى الخارج، و لاسيما إلى اسرائيل (وفقاً للاتفاقية التي عقدتها السلطات الإثيوبية مع شركة «أنكودي» الاسرائيلية). كذلك تصدر إرتريا منتوجات الألبان إلى إيطاليا و بعض الدول المجاورة. و تمتلك إرتريا ثروة بحرية كبيرة من الأسماك و الأصداف و تزيد قيمة صادراتها السنوية فيها عن 50 مليون دولار.
الغابات
و تعد الغابات مصدراً آخر للثروة في إرتريا و تنتشر في السهول و في أودية الأنهار أشجار «الدوم» التي تستخدم في صناعة أزرار الملابس، و تنتشر فيها المراعي، و أشجار اللبان و الصمغ، و تساعد هذه الأشجار عموماً على حماية التربة من التعرية و الإنطمار الذي قد يلحقها من تحرك كثبان الرمل. في حين تنمو أشجار «اليورفوبيا» في الهضبة و المرتفعات و يستفاد منها في صناعة الأخشاب و أعواد الثقاب.
الصناعة
في إرتريا بعض الصناعات البسيطة، التي يتركز معظمها في العاصمة «أسمرة» و يديرها الإيطاليون على الأغلب، و أهمها تعليب اللحوم و الفواكه و الأسماك، و صناعة الجلود و السماد و الكبريت و الصابون و النسيج و الإسمنت و البلاستيك.
الديموغرافيا
يقدر عدد سكان إرتريا بنحو 3.574.000 نسمة (1995) يعيش منهم نحو 450.000 نسمة في العاصمة أسمرة، كما يعيش نحو 340.000 إرتري في السودان و نحو 150.000 (لاجئين) في أوروبا و أمريكا و بلغت نسبة وفيات الرضّع عام 1994 نحو 11.4% ونسبة وفيات الأطفال 20٪، كما أن العمر المتوسط للفرد هو 52 سنة فقط، و تقدر نسبة الأمية في إرتريا بنحو 80٪.
يتوزع سكان إرتريا تاريخياً بين ثلاث مجموعات لغوية (بالمعنى المجازي) هي: الحامية و السامية و النيلية. و قد هاجرت إليها القبائل التي تنتمي إلى المجموعتين الحامية و السامية من الجزيرة العربية أصلاً و يصعب التفريق بينهم في الشكل و الهيئة العامة، أما النيليون فيعتقد أن أصولهم زنجية أو «متزنجة».
و من الجماعات التي تنتمي إلى الحامية أو السامية كل من قبائل البِجا في منطقة القاش، و قبائل الأسورتا و الساهو في محافظتي إكلي قوزاي و البحر الأحمر، و قبائل البلين في محافظة كرن، و قبائل الماريا في أغوردات و كرن، و قبائل الدناقيل في سهل الدناقيل، و قبائل الحباب في نقفة و تغري، و قبائل منسع حول كرن، و القبائل النصرانية في حماسين، و لا يكاد يوجد أثر للسمات الزنجية المعروفة بين هذه القبائل باستثناء لون البشرة الأسمر الداكن الذي يجعلهم أقرب إلى قبائل السودان. أما النيليون أو أنصاف الحاميين فلا يتجاوز مجموعهم بضعة آلاف نسمة، و تمثلهم قبائل الكوناما أو البازا و قبائل الباريا و ينتشرون في مناطق مختلفة من القاش و ستيت، و إلى جانب هذا التعدد يوجد في الوقت نفسه امتزاج سلالي يتعذر تحديد فواصله لمرور زمن طويل من المصاهرة و المجاورة. و من الهجرات العربية المبكرة إلى المنطقة قبل ظهور الدعوة الإسلامية بطون من بني حمير عرفوا بقبيلة «البلو» و قد صاهرت البِجا و حكمت بعض الإمارات البجاوية في إرتريا. و قد وفد إلى المنطقة في أزمنة لاحقة قبائل من ربيعة و أخرى من القحطانية و جهينة. و تعد قبيلة الرشايدة آخر الهجرات العربية إلى إرتريا، و قد توافدت إليها عن طريق السودان منذ سنة 1846 م و انتشرت على الشريط الساحلي من مصوع حتى حدود السودان.
الديانة
تتميز إرتريا كغيرها من الدول الأفريقية و الدول الأخرى بتعدد الأديان و كثرة المعتقدات و لعل ذلك ناتج من تأثرها ببيئة الدول المحيطة بها مع اعتبار موقعها المتميز و الذي يساعد في سهولة التأثر عبر الهجرات و الغزو المستمر عبر تاريخها الطويل و نجد أن التأثير الأبرز يتضح من انتقال الأديان كما هي في الجزيرة العربية إلى هذه المنطقة فاليهودية و المسيحية و الإسلام كلها نزحت مباشرة إلى هذه المنطقة من الجزيرة العربية و قبل هذه الديانات أيضاً الوثنية مثلاً كانت لدى سبأ و حمْيَر و الحجاز.
الرابط : https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A5%D8%B1%D8%AA%D8%B1%D9%8A%D8%A7