
الأحول: كائن بوجهتين… و فكرة لا تنظر للأمام
مقدمة بنظرة مزدوجة:
الأحول ليس مجرد حالة بصرية، بل هو استعارة فلسفية تمشي على قدمين. هو الإنسان الوحيد الذي يستطيع أن “يرى” الشيء و نقيضه في اللحظة نفسها. بينما تنظر أنت للأمام في انحناءة مستقيمة، تجده يحدّق في الباب و الحائط معًا. هو خلاصة التردد الوجودي، و مرآة العقل الذي ضلّ الطريق بين الحسم و التشويش.
في عالمٍ يُطالِبك بأن تكون واضحًا، مستقيمًا، حاسمًا، يظهر الأحول كفكرة عبقرية للرفض. إنه يقول لنا: “نعم، أرى الطريق… و الطريق الآخر أيضًا، و أنا مشغول بتقييم الزاويتين، فلا تزعجوني بالأسئلة المنطقية.”
الأحول و الفلسفة:
تصوّر لو كان أفلاطون أحولًا… لقال: “العالمان مثاليّان.”
أو لو كان ديكارت كذلك، لربما كتب: “أفكّر… و أفكّر في التفكير، إذن ربما أنا اثنان!”
الأحول لا يمكنه أن يكون تابعًا لمدرسة فلسفية واحدة، لأنه ببساطة يرى الحقيقة من أكثر من زاوية و لا يسلّم لأي منها. هل هذا التردد؟ أم حكمة؟ أم ضعف عضلي في العين؟ الجواب: كلّ ما سبق، و ربما أكثر.
فهو لا يؤمن بواحدية الحقائق، بل يعيش في “نظرية الأبواب المفتوحة”: كل وجهة نظر لها ظلها، و كل ظلّ قد يكون نافذة.
الأحول و السياسة:
تخيل مرشحًا سياسيًا أحولًا، في مناظرة مباشرة:
يسأله المذيع: “هل تؤيد رفع الضرائب؟”
يجيب: “نعم… و لا!”
يسأله الجمهور: “هل أنت مع الشعب؟”
يرد بعين نحو الجمهور: “طبعًا.”، و بالعين الأخرى نحو المستثمرين: “أعدكم.”
سيُعَدُّ المرشح الوحيد الذي يستطيع أن ينظر للكاميرا و الجمهور و المستشار في آنٍ واحد. و هذه موهبة نادرة في عالم السياسة.
الأحول و العلاقات الإنسانية:
في العلاقات، يعيش الأحول معضلة عاطفية حقيقية، فهو لا يعرف هل هو معك أم يراقب غيرك. إذا أحب، أحب من زاويتين، و إذا خان، فمن باب التوزيع العادل للأنظار.
هو لا يستطيع أن يكذب وجهًا لوجه، لأنه ببساطة لا يعرف أي وجه يواجه! و إذا غضبت عليه، لا تدري إن كان يعتذر أم ينظر إلى المروحة خلفك.
صديقك الأحول هو الوحيد الذي إذا قال لك: “أنا معك”، تضطر للسؤال: “معي أنا أم معي في الاتجاه الآخر؟”
الأحول و الوجود:
في الفلسفة الوجودية، نحن كائنات تتصارع مع العبث و المعنى، لكن الأحول يعيش هذا الصراع بوضوح بصري حقيقي. فهو يرى العبث و المعنى في نفس اللحظة، يحاول فهم الموقف، لكن كلّ عين تجرّه إلى تحليل مختلف.
عقله لا يتخذ موقفًا، بل ينقسم بين تفسيرين:
“ربما الحياة تستحق أن تُعاش.”
“و ربما لا… انظر بعينك الأخرى.”
إنه لا يثق بالحقيقة الواحدة، لأن التجربة عنده تتجزأ بصريًا و ذهنيًا. هو يكتب قصيدة حب بعين، و رسالة استقالة بالعين الأخرى.
الأحول كرمز معاصر:
الأحول هو إنسان ما بعد الحداثة. إنه ابن العولمة و تعدد الثقافات. يفهم اليمين و اليسار، لكن لا ينتمي. يرى أن العالم سائل، قابل للتفسير من عدّة زوايا، كما هي عيناه. هو ناقل مثالي للرسائل المتضاربة، فحين يقرأ لك قانونًا في الدستور، تظن أنه يبتسم لك، بينما هو يطالع ورقة أخرى بعينه الثانية: “إخلاء مسؤولية”.
—
الأحول و التكنولوجيا:
لو كان الأحول تطبيقًا، لكان مفتوحًا على نافذتين دائمًا. و لو كان روبوتًا، لتعثّر في كلّ الأبواب. و لو كان خرائط جوجل، لقال لك: “اتّجه يمينًا… أو انتظر، يسارًا. لا تقلق، أنا أراقب الاتجاهين.”
هو الإنسان الذي يستطيع استخدام المرايا الجانبية دون تحريك الرأس. سائقٌ يرى سيارتين في آنٍ، ثم يصطدم بشجرة لم يرها لأنه كان منشغلًا باليسار و اليمين فقط.
الأحول و الأدب:
إذا كتب رواية، سيكون البطل فيها مزدوج الشخصية لا محالة، أحدهما يرى الخير، و الآخر يرى أن النية الطيبة مؤامرة. روايته ستبدأ من النهاية، و تنتهي ببداية لم تكن محسوبة، لأن نظرته كانت موزعة بين الصفحة الحالية و الغلاف الخلفي.
—
خلاصة بنظرة ثالثة:
الأحول ليس حالة طبية، بل حالة فلسفية… و هو ليس مريضًا، بل هو أكثرنا صحوة، لأنه أدرك أن الرؤية الواحدة قد تكون خداعًا بصريًا. من قال إن الوضوح فضيلة؟ الأحول يُذكّرنا أن الحقيقة تُرى من زوايا متناقضة، و أن الحياد لا يعني الجمود، بل التوازن بين عينين مختلفتين.
فلا تسخر من الأحول… لعله يراك بنظرة لم ترَها أنت في نفسك بعد.