الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم، و بعد:
يقول الشيخ إبراهيم بن عامر الرحيلي أستاذ العقيدة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة:” المؤمن يصبر على دينه كله، الصبر هو حبس النفس، و يدل على القيام عليها، و أخذها بالعزيمة على ما يحقق المصلحة، الصبر يكون على مخالفة هوى النفس، و هكذا كل من طلب شيئا عظيما يحتاج إلى صبر لتحقيق تلك المصلحة، ينقسم الصبر إلى ثلاثة أنواع:
- الصبر على طاعة الله: و هذا الصبر محمود في الدنيا، من لا يصبر على الطاعة مختارا عابدا، صبر على جزائها معاقبا مقهورا، ليس له اختيار في هذه العقوبة قال تعالى:{ اصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم} و هو في الحقيقة لا صبر له عليها، و هذه حقيقة شرعية على كل مسلم أن يستحضرها. لا يجوز للمسلم أن يتعمد المشقة في الطاعة أو في غيرها، قال صلى الله عليه و سلم:( بعثت بالحنفية السمحة) المشقة غي مقصودة للشارع.
- الصبر عن المحارم و المعاصي: الصبر عن لذّة المعصية، و هذه المعاصي زيّنها الشيطان، من حكمة الله العظيم أنّه ما حرّم شيئا إلاّ أحلّ شيئا آخر مكانه، المؤمن ثقته بثواب الله عزّ و جل أعظم من ثقته بما في يده.
الصبر على أقدار الله: و هو غير النوعين الآخرين، المؤمن معرض لهذه الأنواع الثلاثة؛ و هي اختبارات، فإن صبر رفعه الله تعالى، و الذي يصبر في هذه الثلاث حالات فهو المؤمن الممحّص.
{ و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر} قيل الحق هو القرآن، و قيل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أي يوصي بعضهم بعضا بالحق، و يرشد بعضهم بعضا بالحق، هذا التناصح بين المسلمين أمر عظيم، و يجب ان يقوى بين المسلمين، و الناصح أخ مشفق محب لك، ليس بعدو لك، من علامات التوفيق قبول النصح، و من علامات الشقاء عدم قبوله،{ و تواصوا بالصبر} أي يوصي بعضهم بعضا بالصبر.
الصبر علاج و عافية:
يعالج المسلم نفسه بالصبر و الاحتساب، سرعة الغضب سبب للفتن، و للبلاء و السقم و اللعن، و سبب للأمراض البدنية، كل ما يسير عليه الناس و يفعلونه مقدّر من الله، إذا قدّر على إنسان الفحش، لماذا نغضب، لم يوفقه الله للرفق، إذا رأيت مجنون سلب عقله و هو يضرب و يسب هل تغضب منه؟ من الناس من له أخلاق قريبة من الجنون، فيه جهل مطبق، او نقص في عقله، فما من أحد صبر و لم يتنزّل للسفهاء إلاّ رفعه الله تعالى و زاد من قدره، إمّا أن يكون الرجل سفيها يجيب السفهاء، و إمّا يكون حليما وقورا يدفع بالتي هي أحسن يتأسى بالنبي صلى الله عليه و سلم، كل هذه الأمور تعين على الحلم و الصبر، قال رجل:” ما أذاني رجل إلاّ كنت بين ثلاث أمور، إمّا أن يكون أفضل منّي فأقدّر فضله، و إمّا أن يكون مثلي فأتفضل عليه بالحلم و الصفح، و إمّا أن يكون أقل منّي فلا أن أتنزّل على مرتبته، فنقل كلامه إلى الإمام أحمد فقال:” ما أعقل هذا الرجل”.
الإنسان إذا تعوّد التحلّم و الصبر، يوطّن نفسه أن يتعرّض له جاهل، قال الله تعالى:{ و أعرض عن الجاهلين} لم يقل أجب الجاهلين، و يحتسب الأجر عند الله عزّ و جل.
قال عمر رضي الله عنه و هو المجرب، عرف الجاهلية و عرف الإسلام:” وجدنا خير عيشنا بالصبر” الصبر له أثر عظيم في حياة المسلم، لم يقل وجدنا خير عيشنا بالمال، أو بالمنصب، أو بالشهوات، لا و لكن بالصبر، الصبر هو خير العيش، لأنه يعلم أنه ما أصابه هو رفع لدرجاته، و ما منع منه فهو منزلة له عند الله، هذا أثر الصبر على النفس، طمأنينة، سكينة.
السعادة التي يبحث الناس عنها اليوم، الغرب الكافر و الشرق الملحد سخرّوا كل الإمكانيات، كل المخترعات، كل شهوة من المعاصي و الموبقات و اللعب و اللهو، هل حققو السعادة؟ لم يحققوها، أنظر إلى حالهم، الانتحار، الاعتداء، و الأمراض النفسية، بينما أنظر إلى رجل يعيش في البادية يأخذ ماءه من بئر بدلو، يصلي يعبد الله و تجده أسعد الناس، و الذين سكنوا القصور لم يحققوا هذه السعادة، الصبر سعادة في النفس، و هو خير في الدنيا و الآخرة، عاقبته عظيمة و ثوابه جزيل، و منزلة أهله عند الله رفيعة، و كذلك هو في هذه الحياة طيب عيش و هو سعادة، سكينة و وقار، يرتفع الرجل بين الناس بالصبر، و الموفق من وفقه الله” هذا و الله أعلم و صلى اللهم على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم.