غضب أحد الملوك الظالمين على شيخ من الصالحين اعتاد أن يواجهه بكلمة الحق و أن يعلن رأيه الصريح في تصرفاته المشينة ضد الشعب.. و كان الملك إذا ما غضب على أحد من رعيته اختار له صنفًا واحدً من الطعام ليعيش عليه قبل أن يلقيه في السجن حتى يسأم الحياة و يغادرها دون أن يتناول صنف طعام آخر؛ و لأن النفس البشرية لا تستطيع الصبر على طعام واحد فيذبل المسجون و يتهاوى من الضعف و السأم حتى يموت. و حينما غضب الملك على الشيخ الصالح طلب منه أن يختار طعامًا واحدًا ليعيش عليه.
و كان الشيخ يعرف أن الله امتحن بني إسرائيل بالصبر على طعام واحد فعجزوا، و لهذا اختار أن تُقدم إليه رؤوس الضأن، فلحم رأس الضأن يحتوي على أصناف من اللحم مختلفة المذاق، و بهذا يتفادى من السأم الذي يكون من تناول طعام واحد، و دخل الشيخ السجن و عاش على رؤوس الضأن.
و مضت سنوات و الملك سادر في ظلمه و الشيخ صابر في سجنه.. و فجأة! تذكر الملك الشيخ السجين و عجِب: “كيف لا يزال هذا الشيخ على قيد الحياة مع أن الذين سبقوه إلى السجن لم يستطيعوا أن يصبروا على طعام واحد و ماتوا بعد شهور، و لكنه عاش لسنوات؟!”
و تملّك الغيظ الملك و أرسل في طلب السجان الموكل بحراسة الشيخ و سأله عن حاله، فقال السجان: إنه في صحة جيدة و يقضي وقته كله في الصلاة و العبادة و تلاوة القرآن، فسأله الملك: ألم يطلب منك شيئًا أو يحدثك عن شيء؟.. ليرد السجان قائلًا: كلا فقد عاش الشيخ في السجن طوال السنوات الماضية لم أسمعه يتكلم كلمة واحدة، و لكنه بالأمس طلب مني أن أنقل فرشته من جوار العمود الذي كان يجلس بجانبه إلى جانب عمود آخر..
فزجر الملك في غيظ، و صاح في غلظة: هذا لا يمكن أبدًا.. و خذ هذه الفروة و قدمها إليه. و حمل السجان الفروة و قصد إلى الشيخ و أخبره: هذه الفروة مرسلة إليك من الملك.. و ما كان من الشيخ إلا أن يبستم بوداعة و هدوء، و يتناول مسمارًا كان بجانبه قائلًأ للسجان: إنني قبلت هدية الملك، و رجائي أن تذهب إليه و تقدم هذا المسمار.
و استجاب السجان لرجاء الشيخ، و حمل المسمار إلى الملك، و ما كاد الملك يتناول المسمار من السجان حتى تخاذل في مكانه، و علا وجهه الوجوم، و صاح في حشرجة: أفرجوا عن المظلوم!
و أقبل الذين في بطانة الملك يسألونه عن السر في هذا التغيير المفاجئ، فقال: لقد وعظني هذا الشيخ عظة بالغة، و كشف لي عن حقيقة الحياة.. فقد طلب من السجان أن ينقل له الفرشة من عمود لعمود و هو يشير بذلك إلى القول المأثور “يأتي الله بالفرج ” فأرسلت إليه مع السجان فروة و أنا أعني أن أقول له: “لو كان عمرك عدد شعر هذه الفروة من سنين فلن تخرج من السجن”.. فكان رده على ذلك بأن يبعث بمسمار ليقول لي: “و هل سمرت الفلك عن المسير و أخذت عهدًا على الدهر بالجمود”؟ و من الذي يستطيع أن يمسك الفلك عن المسير مهما يكن من القوة و الجبروت؟
الرابط : https://www.for9a.com/learn/%D9%82%D8%B5%D8%B5-%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A