هذه قصة حقيقية
زارت جنيف في عام من الأعوام كسائحة صحبة أبوها المريض.
في يوم ما، طلب منها والدها تركه في جناحه بالفندق ليستريح و ان تذهب لوحدها في نزهة.
فعلت.
كان اليوم باردا و الغيوم الداكنةفي السماء تنذر بقرب نزول الثلج.
أخذت ترامواي قصد التجول علي ضفاف بحيرة ليمان …في مقعدها فتحت دفتي كتاب أخذته معها و بدأت القراءة.
فجأة علا صوت رجالي بلغتها :
-عجبا لم تتغيري دوما كتاب بين يديك حيثما تتجهين.
نظرت إلي الرجل الغريب متساءلة في صمت. لا تعرف الرجل، لكن لماذا يخاطبها هكذا و كأنه يعرفها ؟
-هذا أنت ميساء ؟ أليس كذلك ؟
لم تجبه، متحفظة.
-هل نسيت إبن صديقة والدتك، ماهر ب. ؟ تفارقنا منذ أكثر من 17 سنة و ها أنك كبرت و حافظت علي هوايتك للكتب.
حينها أجابته بلكنة باردة :
-لا أتذكرك سيدي.
-بلي أنا أتذكرك جيدا…قاطعها.
عادت إلي كتابها غير مكترثة بالغريب.
-طيب، هل يعقل أنك نسيتيني لهذه الدرجة ؟ سألها و جلس إلي جنبها.
بدون النظر إليه، ردت :
-حتي و إن تذكرتك، ففي حدود علمي كنت مجرد إبن صديقة أمي، كنا نلتقي من بعيد إلي بعيد، لهذا تظل إنسان غريب بالنسبة لي.
سكت الشاب. غرقت في كتابها و عندما وقع الإعلان عن الوصول إلي بحيرة ليمان، أغلقت دفتي الكتاب، وقفت و إتجهت لتنزل :
-هل تسمحي لي بمرافقتك ؟ سألها فجأة الغريب.
لم تستدير إليه إنما سرعت خطاها، مجيبة :
-لا.
فبقي في مكانه مسمرا، يتابع الفتاة و هي تمشي و تلف حول رقبتها شال من الصوف ماسكة بالكتاب و حقيبتها الصغيرة. كان مندهشا من ردة فعلها الغير المبالية به. عند إنطلاق مرة أخري الترامواي، كان يبتعد عنها شيئا فشيئا و بدت صورتها تتضاءل بين عينيه حتي إختفت عند إستدارة للبحيرة.
أغمض عينيه و تمتم ” نستني في حين أنني لم أنساها…”