سياسة

حلفاء الولايات المتحدة ليسوا خارج الحدود: ضربة إسرائيل لقطر تحطم أوهام الخليج*

بقلم الأستاذ محمد حسن سويدان

 

في 9 سبتمبر، شنّت إسرائيل هجوماً نهارياً على قطر، و هي حليف رئيسي غير عضو في حلف الناتو (MNNA) للولايات المتحدة. و كان المبرر المعلن للهجوم هو اغتيال قادة من حركة حماس، الذين طلبت تل أبيب نفسها سابقاً من الوسيط الدائم، الدوحة، الاستمرار في استضافتهم للحفاظ على النفوذ غير المباشر لواشنطن على الحركة.

لكن الضربة شكّلت جرس إنذار مدوياً للمنطقة بأكملها: لم يعد هناك حدود لاستعداد إسرائيل لاستخدام القوة العسكرية، حتى ضد دول لا تعارضها علناً.

**لماذا استهدفت إسرائيل قطر؟**

لم تتخذ إسرائيل قرارها بضرب قطر بخفة، نظراً للتكلفة السياسية العالية لهذه الخطوة. فما المكاسب التي دفعتها إلى ذلك و جعلت تل أبيب تقبل تبعاته؟

كان الهدف الأساسي هو ترسيخ الرسالة القائلة إن حركة حماس “لا ملاذ آمن لها” في أي مكان. و كما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 10 سبتمبر:

“أقول لقطر و لكل الدول التي تأوي إرهابيين، إمّا أن تطردوهم أو تقدموا بهم إلى العدالة. لأنه إن لم تفعلوا، فنحن من سيفعل ذلك.”

و رغم أن العملية فشلت في اغتيال قادة حماس، إلا أنها مثّلت خرقاً خطيراً لما كان يُعتبر خطاً أحمر منذ زمن طويل: استهداف حلفاء واشنطن في منطقة الخليج.

و هذا يثير سؤالاً مهماً: ما الذي يضمن أن إسرائيل لن توسّع هذه الهجمات لتشمل دولاً أخرى مثل تركيا أو مصر؟ فقد أكدت ضربة قطر أن لا الانحياز لواشنطن و لا البعد الجغرافي يوفر حصانة في غرب آسيا.

و كما صرّح السفير الإسرائيلي في واشنطن، يحيئيل لايتر، لقناة فوكس نيوز:

“إذا لم نتمكن من الوصول إليهم هذه المرة، فسنصل إليهم في المرة القادمة.”

بهذه الطريقة، هدفت تل أبيب إلى ترهيب الدول التي يُنظر إليها على أنها صديقة لحماس، و فرض سيطرتها على سلّم التصعيد، حتى لو كان ذلك على حساب تعقيد جهود التطبيع التي تدعمها واشنطن، و خسارة ثقة الدول الموقعة على اتفاقيات أبراهام.

أهداف الضربة الإسرائيلية

1. التأثير على جهود الوساطة:
تزامنت الضربة مع مراجعة قادة حماس لمقترح هدنة في غزة برعاية أمريكية. و سعت إسرائيل إلى:

* دفع قطر للانسحاب من دور الوسيط بجعل كلفته السياسية باهظة للغاية.
* اغتيال المفاوض الرئيسي بنفسه، خليل الحية.

لو نجحت العملية، كانت ستقضي على المسار الدبلوماسي و تمنح نتنياهو فرصة لإطالة أمد الحرب حتى يحقق هدفه الأساسي: احتلال غزة، و القضاء على المقاومة أو طردها كلياً، و إنهاء النضال المسلح في القطاع.

2. إبراز العقيدة الأمنية الجديدة :
أرادت إسرائيل أن تُظهر أن عقيدتها الأمنية لم تعد مقيّدة بالجغرافيا أو السياسة.
فبينما كان هدفها سابقاً احتواء التهديدات و إعادة الهدوء، أصبح الهدف اليوم الهزيمة الكاملة للأعداء.
و وفق مقال في مجلة *Foreign Affairs*، شارك في كتابته مئير بن شبات، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، فإن:

“عمليات الاغتيال التي تنفذها إسرائيل ضد قادة بارزين في إيران و لبنان و قطر و أماكن أخرى تُظهر أنها لم تعد تلتزم بالخطوط الحمراء التي ظن جيرانها أنها لن تتجاوزها.”

3. معاقبة الإعلام القطري :
كان هدفاً ثانوياً لكنه مهم، إذ أرادت إسرائيل معاقبة شبكة الجزيرة بسبب تغطيتها للحرب على غزة، و التي لعبت دوراً محورياً في نشر الرواية الفلسطينية عالمياً.

* منذ 2024، أقرّ الكنيست قانوناً مؤقتاً يتيح للحكومة إغلاق القنوات الأجنبية التي تعتبرها “تهديداً أمنياً”.
* لاحقاً، أُغلقت مكاتب الجزيرة في إسرائيل، و صودرت معداتها، و تم حظر بثها على المنصات المحلية.

4. تعزيز الموقف الداخلي لنتنياهو :
داخلياً، أرسل الهجوم إشارة قوية لشركاء نتنياهو في الائتلاف اليميني المتطرف الذين هددوا بإسقاط حكومته إذا قدّم تنازلات في محادثات الأسرى و الهدنة.

* أدت العملية إلى تحويل النقاش من تبادل الأسرى إلى الدعوة إلى “النصر الكامل”.
* أظهر استطلاع لصحيفة *معاريف* أن 75٪ من الإسرائيليين دعموا الضربة: 49٪ أيدوها بالكامل، و 26٪ وافقوا عليها لكنهم تساءلوا عن توقيتها.

**ردود الفعل الدولية وتداعيات استراتيجية

سارعت تل أبيب إلى تقديم الضربة على أنها استهداف لـ”ملاذات الإرهاب” و خطوة للضغط على حماس للقبول بصفقة وقف إطلاق النار.
لكن الهجوم شكك في قيمة التحالفات الأمنية الأمريكية في المنطقة، خاصة أن قطر تُعد حليفاً رسمياً للولايات المتحدة.

* أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن استيائه الشديد من إسرائيل، و اعتبر العملية عملاً أحادياً يناقض المصالح الأمريكية و الإسرائيلية.
* التقى ترامب برئيس الوزراء القطري في نيويورك في 13 سبتمبر، في خطوة اعتبرت محاولة لاحتواء الأزمة.
* و أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض لاحقاً أن ترامب طمأن قطر بأن “مثل هذا الأمر لن يتكرر على أراضيها.”

و رغم ذلك، بقيت تساؤلات حرجة مطروحة أمام حكومات المنطقة :

* ما قيمة القواعد الأمريكية إذا لم تمنع هجمات من أقرب حلفاء واشنطن؟
* و ما جدوى صفة “حليف غير عضو في الناتو” إذا كانت إسرائيل تتجاهلها؟
* و إذا لم تحمِ الدفاعات الجوية الأمريكية قطر، فمن سيحميها؟

**القلق الإقليمي

أثار الهجوم مخاوف شديدة في تركيا و مصر :

* حذّرت وزارة الدفاع التركية من أن إسرائيل قد توسّع هجماتها المتهورة، ما يهدد بجرّ المنطقة كلها نحو كارثة.
* أما مصر، فقد حذرت واشنطن من “عواقب وخيمة” إذا تكررت مثل هذه العملية على أراضيها، و قلّصت مستوى التنسيق الأمني مع إسرائيل مؤقتاً.

لكن من غير المرجح أن تقوم القاهرة برد قوي، فهي غالباً ستستخدم هذه التصريحات لردع إسرائيل دبلوماسياً و محاولة تعزيز دورها كوسيط في الحرب على غزة، خصوصاً إذا تراجعت مكانة قطر كوسيط رئيسي.

**قمة الخليج و النتائج

في 14 سبتمبر، عقد وزراء الخارجية العرب و الإسلاميون اجتماعاً طارئاً في الدوحة لمناقشة الضربة الإسرائيلية.

* البيان الختامي أدان الهجوم باعتباره انتهاكاً للسيادة والقانون الدولي.
* دعا مجلس التعاون الخليجي إلى مراجعة وضعه الدفاعي و بدء تنفيذ آليات ردع جماعية.

لكن هذه التصريحات لم تُترجم إلى أفعال، و انتهت القمة كما انتهت عشرات القمم العربية السابقة: خطابات قوية بلا خطوات عملية.

الخلاصة

الضربة الإسرائيلية لم تكن مجرد هجوم على قطر، بل رسالة استراتيجية لجميع دول المنطقة:

* لا وجود لمناطق آمنة بعد الآن.
* القواعد الأمريكية و الوساطة الدبلوماسية لا توفر حماية.
* إسرائيل ستضرب حيثما ترى ذلك ضرورياً، حتى لو كان الهدف دولة حليفة لواشنطن.

إذا لم يُواجَه هذا التصعيد برد قوي، فسيؤدي إلى إعادة رسم خريطة القوة في غرب آسيا، بما يخدم مصالح تل أبيب و حليفها الرئيسي، الولايات المتحدة.

*ترجمة من الإنجليزية إلي اللغة العربية الذكاء الإصطناعي

الرابط بالإنجليزية : https://thecradle.co/articles/us-allies-are-not-off-limits-israels-qatar-strike-shatters-gulf-illusions

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى