
في 27 سبتمبر أي من يومين إنقضت ثلاثة و عشرين سنة عن وفاة والدي مختار عنيبة رحمه الله رحمة واسعة.
ما علمني إياه أبي أنار لي دربي الذي أسير فيه منذ صغري بخطي ثابتة و لله الحمد. ورثت عن أبي حبي لله و لدين الإسلام و أعتبر نفسي محظوظة أن الله خصني بحظوة كبيرة بولادتي في كنف أب مثل مختار عنيبة و أم مثل أمي بارك الله في عمرها.
فالدفع الذي أعطاني إياه أبي بتلقيني أهم درس علي الإطلاق : “ضعي نصب عينيك أنك خلقت لعبادة الله عن بينة و بصيرة و رحلة الحياة قصيرة، فأعملي لآخرتك دون أن تهملي دنياك.”
كم أدين لهذا الوالد رحمه الله الذي أحسن تربيتي و أحسن معاملتي و أشعرني دوما بقيمتي و إحترم عقلي. كان لا يبخل عني برأيه في مسائل الحياة و منه ورثت إهتمامي بمجال السياسة. كم أحن إلي حديثي معه في أمور السياسة و في نفس الوقت اليوم و بعد كل هذه السنين من رحيله، احمد الله أنه رحل عن الدنيا و لم يري شدة الإنحطاط الذي أصاب أمة إسلامية تشهد إبادة شعب مسلم بلا حراك.
أذكر سنوات عمله كديبلوماسي و كم كان همه كبير و حرصة أكبر في تمثيل مصالح الجزائر التي جاهد من أجل حريتها و أسف أيما أسف علي إستقلال صادره مقاتلون طمعا في المغانم و الحكم. أذكر إستقامته و طوال عمله في وزارة الخاريجية الجزائرية أبلي البلاء الحسن في خدمة مواطنين جزائريين و لم يستغل منصبه لأغراض لا تمت بصلة لمهامه كما فعل البعض في سفاراتنا في الخارج.
و قرر التقاعد المبكر ليترك مكانه لجيل جزائري جديد “لا بد من إعطاءه فرصة بدوره لتمثيل بلادنا.”كما صرح بنفسه غداة تقاعده.
لكن قناعتي عميقة و بدون محاباة أو مجاملة، أمثال مختار عنيبة رحمه الله يندر أن نجد أمثالهم بين الجيل الجديد.
هذا غيض من فيض عن مختار عنيبة و الأجمل بالنسبة لي أن ذكراه عطرة لدي كل من عرفوه من قريب أو بعيد و اللهم يعينني علي مواصلة المسير و تجسيد أفضل ما جسده بصدق شديد والدي طوال حياته و إنا لله و إنا إليه راجعون.