في كتابه تخيل ما لا يمكن تخيله لـ”جلاين مورجان”، الكاتب المتخصص في الأدب التخيلي، يشرح كيف اعتمد اليهود الذين نجوا من المحرقة سردية مفادها الصمت، حين قالوا إن ما حدث لليهود ليس كغيره، و سارعوا لبناء مخيلة كاملة عن المحرقة. لم يكن همهم التوثيق و بيان الحقائق بقدر ما كان القصد هو بناء الوعي و الإدراك، و هكذا نجحت السردية الصهيونية حسب الكاتب.
أما نحن فنقول عن أنفسنا إن تاريخنا تاريخ دماء، و إن عقولنا ناقصة، و إننا أمة كلام لا تحسن العمل، و إن حكامنا صنيعة الاستعمار، و إن جيوشنا بلا قوة للمقاومة، و إن مجتمعاتنا لا تصلح للديمقراطية، و إن بيننا من هم أشد خطرا من الصهاينة… كل ذلك و نتمنى على الله الأماني أن نكون أمة قوية و لها وزن بين الأمم، كيف يستقيم هذا؟
هنا إشكال حقيقي في تفسيرنا أو في بنائنا السردي. لقد استعاض اليهود عن الكذب بالخيال لصناعة سرديتهم، أما نحن فاستعضنا عن بناء سردية تجمعنا بمقولات اخترعناها من بغضنا لواقعنا.
هذه دعوة صادقة لإدراك خطورة الأفكار و السرديات، و أنها إن لم تكن خاطئة فإنها غير مفيدة، و أن الاستقراء لا يصلح لبناء خطاب سياسي، و أن كثيرا من النزاعات فيما بيننا بسبب تلك السرديات الخاطئة و المنتقاة؛ لأننا نفتقد لنموذج معرفي قادر على رؤية المستقبل لا تفسير الماضي.
فإن قلت لي: “من لا ماضي له لا حاضر له”، سأقول: إن من لا يرى المستقبل لن يستطيع قراءة شيء، لا الحاضر و لا الماضي. كيف و نحن أمة تؤمن بالقدر السابق، أي نؤمن بأن المستقبل هو الذي يصنع الحاضر.
بتصرف عن رابط : https://www.aljazeera.net/opinions/2025/9/30/%D8%AA%D9%87%D8%A7%D9%81%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%81%D8%B3%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D9%8A-%D9%84%D8%AA%D8%AE%D9%84%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%A9