
منذ أن أرسل الله جل شأنه رسوله صلى الله عليه و سلم بالهدى و دين الحق تعهَّد له و لأمته من بعده ببقائها و ديمومتها و استمراريتها إلى يوم الدين و لو كره الكافرون {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف:9]. و منذ انطلاقة هذه الرسالة الإلهية السامية حملت في ثناياها العدالة المطلقة و التسامح البيِّن و الاحترام الجليَّ للعقل البشري مع الوضوح التام في المعتقدات و الشرائع؛ فجاءت سامية المبادئ شاملة البيان سهلة التكيف مرنة الاندماج مع المتغيرات البشرية و الحياتية، متناغمة بتآلف ودود مع الفطرة و الطبيعة الإنسانية، محملةً بالوصايا الربانية للنبي صلى الله عليه و سلم ثم لكل من ولي أمراً لبني البشر بالتزام الرفق و إحقاق الحق و محاربة الظلم و رفع العنت و الإصر و الأغلال عن رقاب طالما ناءت بحملها الثقيل و أنَّت تحت نير الجهل و القهر و الاستعباد من الإنسان لأخيه الإنسان. و لأن لكلِّ خير و حق أعداءً يحاولون طمسه و إضعافه، فإن الإسلام -و هو أصدق الحقائق و أجلاها- له أعداؤه الكثر ابتداء من كفار قريش مروراً بكل حملات التشكيك القديمة و المعاصرة و إلى قيام الساعة؛ و لذالك بات من المألوف أن لا تهدأ وتيرة الغمز الخفي أو الحرب المعلنة ترتفع هنا أو هناك على كافة الصعد و في مختلف الميادين، و منها تلك التهمة التي تصوِّر “بقاء الإسلام فكراً قوياً و مؤثراً محتفظاً بكل قوته و كيانه بأنه نتاج تقوقعه و عزلته و انفراده” بحسب قول أحد أعمدة التبشير و هو (شاتلييه) و كذلك المبشِّر (زويمر) الذي دعا إلى اعتماد أسلوب التشكيك بشريعة الإسلام و تغذية و تعميق الميل بل الاتباع لتلك الأفكار المفكِّكة -كما يقول- لعقائد الإسلام و مبادئه الخُلُقية “وَفْقَ ميزتي الهدم والبناء للإرساليات التبشيرية”.
و هم يرون أن المسلمين متعصبين و أن تعصُّبهم يحول بينهم و بين محبة و تقبُّل الآخر. يقول المبشر رايد: “إن ذلك الحاجز العظيم الذي يُدعى عادة بالتعصب؛ و هو ذلك الجدار الشاهق من الشك و الاعتزاز بالذات و من الكره، قد بناه الإسلام حول أتباعه ليحميهم من داخله و يترك المبشر خارجه”. إن دعاة الفرنكفونية ينهجون النهجَ ذاته و هم ما زالوا يحاولون اقتلاع جذور القِيَم الإسلامية متمثّلة بالحجاب و المظهر الإسلامي -مثلاً- و يعتبرون قِيَمِنا أمراً غير مرحَّب به في بلادهم إن محاولات طمس الهوية الإسلامية و السعي إلى الحد من انتشار الإسلام و محاربة وجوده و تجفيف شرايين اتصاله بالآخر بكل وسيلة: هو أكبر دليل على أنه دين حيٌّ متجدد سريع التأثير منفتح القنوات يُخشَى من انتشاره بسهولة و يسر و ليس فيه صفة واحدة تدل على الانعزالية و التقوقع. فهل يدرك أولئك الذين يلصقون تهمة الانعزالية بالإسلام و يعتبرونها السبب في ديمومته و بقائه، أو الذين يصفونه بالجمود و التخلف و عدم صلاحيته لكل زمان و مكان، هل يدركون مدى الخطأ المقصود غالباً و غير المقصود أحياناً و هم يرون و يلمسون حكمة و عملية و سعة أفق الحلول الإسلامية لكل مشكلات البشرية قديماً و حديثاً؟ أم أنهم يخشون يقظة المارد النائم على حسب تعبيرهم فيوغلون بالاستخفاف بعقول البشر و تفكيرهم مستمرين في محاولات إبقاء الأمم مخدَّرة غافلة عن الحق و هي تلهث خلف سراب المادية و الإباحية محقونة بجرعاتٍ متتابعة من الافتراءات على شرع الله {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف:8]. المصدر: مجلة البيان
بتصرف عن الرابط : https://ar.islamway.net/article/26283/%D8%B9%D8%B2%D9%84%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%86%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%AF-%D8%A3%D9%85-%D8%AA%D9%85%D9%8A%D8%B2-%D9%88%D8%AA%D9%81%D8%B1%D8%AF