قضايا اجتماعية

تأديب الزوج لزوجته بالضرب بين الشرع و الواقع

بقلم الدكتورة منوبة برهاني

كثيرًا ما نسمع في واقعنا قصصًا عن رجال أقدموا على ضرب زوجاتهم، الأمر الذي يثير غضب الأهل و الأسرة و المجتمع بأسره، و يبرّر بعضهم فعلته بالاستناد إلى أن الإسلام قد أباح ذلك. غير أنّ هذه النظرة الجزئية تغفل عن جوهر التشريع الإسلامي الذي جعل الأصل في العلاقة الزوجية المودة و الرحمة، و لم يجعل الضرب إلا رخصة مقيدة بشروط صارمة، بل إن السيرة النبوية العملية جسدت التعامل الراقي القائم على الاحترام و الرفق لا على العنف و الإيذاء. و عليه كانت قضية» تأديب الزوج لزوجته بالضرب“ من القضايا المثيرة للجدل بين التشريع الإسلامي و الواقع الاجتماعي المعيش، حيث وقعت بشأنها بعض المخالفات، و أثيرت حولها بعض الشبهات من أعداء الإسلام، و في الحقيقة المسألة حساسة و لها أبعاد شرعية، اجتماعية، نفسية و قانونية.
في الشريعة الإسلامية العلاقة الزوجية في أصلها قائمة على المودة والرحمة، كما نصّ القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾. غير أنّ بعض النصوص القرآنية جاءت لتعرض أحكامًا استثنائية في حال وقوع النشوز، كما في قوله تعالى: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ﴾؛ فالآية تسمح للزوج بتأديب زوجته بالضرب، وهو حكم تقيّده ضوابط شديدة، فهو ضرب خفيف غير مؤذ جسديا، ولا يقصد به الإهانة، بل اعتُبر آخر ما يُستعمل عند انسداد جميع وسائل الإصلاح بعد الوعظ والهجر، ويبقى الأصل هو المعاشرة بالمعروف وحفظ الكرامة، لذلك كان الأفضل من التمسك بظاهر النص مراعاة سياقه، فالعلماء المعاصرون يعتبرون أن حفظ الكرامة والرحمة من مقاصد الشريعة، فابن عاشور يرى أن هذه الرخصة مقصودة للزجر لا للإهانة، بل إن بعضهم اعتبرها خيارًا مهجورًا من خلال سيرة النبي ﷺ الذي لم يضرب امرأة قط، بل أوصى بالرفق، فقال: (خيركم خيركم لأهله) رواه الترمذي، وأكثر من ذلك نجد النبي ﷺ غضب من الرجال الذين يضربون زوجاتهم وقال: (ليس أولئك بخياركم) رواه أبو داود. وهذا يعزز فكرة أن التأديب بالضرب ليس تشريعًا مفتوحًا، وإنما استثناء في حدود ضيقة.
أما الواقع المعاصر فيُظهر انتشار صور متعددة لضرب الزوجات، وكأن بعض الرجال يتوهمون أن في العنف إثباتًا للرجولة والقوامة، أو انتقامًا لإشباع نزعة غضب، أو وسيلة لفرض الهيبة والخوف في نفوس زوجاتهم. وتعود هذه الظاهرة في كثير من الأحيان إلى جملة من الأسباب، أبرزها الجهل بمقاصد الشريعة التي جعلت الأصل في الحياة الزوجية المودة والرحمة، وضعف الوعي بحقوق المرأة وكرامتها، إضافة إلى الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تولّد توترًا داخل الأسرة، ناهيك عن غياب ثقافة الحوار وضعف أساليب حل الخلافات بطرق سلمية.. لذلك فإن القانون الجزائري يجرّم الضرب ويعاقب عليه بوصفه شكلاً من أشكال العنف الأسري، وهو في حقيقته وسيلة للهدم لا للبناء، وللتخريب لا للإصلاح، إذ أثبتت التجربة أن العنف يولد العنف، ويزيد الهوة بين الزوجين بدل أن يقربهما، ويقود إلى تفكك الأسرة بدل استقرارها.
وفي الأخير ينبغي التأكيد على أن الإسلام لم يشرع الضرب لإهانة المرأة، وإنما وضعه بضوابط صارمة، وفي سياق محدود، والأوْلى تركه اتباعًا لهدي النبي ﷺ. فالأسرة المسلمة تُبنى على المودة والاحترام المتبادل، وأفضل وسيلة لحل الخلافات هي الحوار الصريح، والاستعانة بالمصلحين أو المختصين عند الحاجة. وهكذا يظهر أن النصوص الشرعية حين تُفهم في ضوء مقاصدها الكبرى، تنسجم مع متطلبات العصر ومع كرامة الإنسان التي هي مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية.
ملاحظة: رجعت إلى محمد الطاهر بن عاشور: التحرير والتنوير، وهبة الزحيلي: التفسير المنير ودراسات قانونية حول العنف الأسري.

الرابط : https://elbassair.dz/35076/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى