
تكملةً لما ورد البارحة في آخر مقالة لي:
اتصلتُ هذه الأمسية بخبيرةٍ في شؤون العلاقات بين الغرب والعالم العربي الإسلامي؛ و هي من معالم العلوم السياسية في الجزائر، غير معروفةٍ إعلاميًّا و لا لدى الجمهور الواسع، و من يعرفها هم دوائر القرار في الغرب و الجزائر.
استنتجتُ، و تأكد لديّ هذا الانطباع، أن تدهور الأوضاع في عالمنا العربي والإسلامي مردّه هذه الرؤية الضيقة الأنانية: “نفسي، نفسي”. و لهذا، لم يُغِث أحدٌ من الشعوب المحيطة بغزة من العرب و المسلمين أهلَها، بل اكتفى فلسطينيو عام 1948 بإضاءة الشموع رمزًا مجازيًّا للأرواح التي أُزهِقت ظلمًا و عدوانًا في غزة.
فالقانون الذي يحكم الشعوب العربية و المسلمة هو “قانون البطن”، قانون لا يرحم و لا يعرف الرحمة. و الأجيال التي تربّت في كنف شبكات التواصل الاجتماعي و الإنترنت المفتوح على مدار الساعة، لا تعرف أين تقع غزة، و لا من هم الفلسطينيون أو السودانيون. و هذه الأجيال نفسها تتبوأ اليوم مناصب حساسة، و ستتسلّم مقاليد الحكم غدًا، و لا يهمها إطلاقًا شيء اسمه “حقوقنا في فلسطين”، بل تشنّع بمثاليتنا و تصفها بالرجعية.
جيل اليوم و الغد لا يعرف مقدساتٍ و لا خطوطًا حمراء، لأنه يعيش في فضاءٍ بلا حدود ؛ فالعولمة محت الحدود، و حاربت الخصوصيات الروحية و الدينية، و عمّمت نموذجًا واحدًا للإنسان العولمي ببصمةٍ غربيةٍ صِرفة.
إن عالم العرب و المسلمين يبدو قاتمًا اليوم و غدًا… و في المقابل، سنفهم كيف أن القطري لا يعرف شيئًا عن التونسي، و اليمني لا يعرف شيئًا عن السوري… فقد انقطعت دروب التآخي و التآلف منذ أن شيّدنا الحدود، و حصّنّاها بالمدافع، و أقررنا التأشيرات للتنقّل من جهةٍ إلى جهةٍ في بيت الإسلام المترامي الأطراف. و هذه مفارقة حقًّا في عالمٍ مفتوح انفتاحًا خطيرًا.
فكيف نريد من الشعب المصري أن يتحرّك لإنقاذ إخوانه في غزة ؟ و كيف لشعبٍ لا يفكّر إلا في الأكل و الحفاظ على رمق الحياة أن ينصر أو يُغيث إخوانه؟
لقد أصبح وجودنا وجودًا فيزيائيًّا بحتًا.
و أتوقف هنا… لأكمل، إن شاء الله، لاحقًا.