
يقول كبار مراكز التفكير الاستراتيجي عبر العالم، من الغرب إلى الشرق: “انتهى عصر الترسانة العسكرية و جاء عصر الترسانة الاقتصادية.”
ماذا يقصدون بهذا التوصيف ؟ يقصدون أن الكلمة العليا و التفوّق و الغلبة باتت لمن يملك أكبر و أقوى اقتصاد، و لمن ضمن موارد الطاقة المختلفة، و لا سيما النظيفة منها، إضافة إلى المعادن النادرة التي تمثل خزانًا احتياطيًا ثمينًا في سباق محموم على امتلاكها.
فالحديث عن تحرير فلسطين أصبح كلامًا قديمًا لا يجدي، إذ باتت اللغة السائدة هي لغة الاقتصاد، كما خطط جهابذة التفكير في تل أبيب و واشنطن: “لنعطِ الفلسطيني خبزًا و راتبًا، و سينسى مطلب الاستقلال و الحرية و الحقوق.”
و قد طُبِّق هذا النهج منذ اتفاقيات أوسلو، و أتى أكله في معظم المناطق إلا في غزة، حيث لم ينخدع من تولوا شؤونها، و بقوا يهيئون أنفسهم للمواجهة العسكرية.
أما اليوم، فدول العالم لم تعد تستسيغ مفهوم حق تقرير مصير الشعوب ؛ فهو مفهوم تجاوزه الزمن و لم يعد يغني من جوع.
الشعوب تتكاثر، و الأفواه الجائعة تزداد، و جيل الإنترنت لا يؤمن بالمُثل و القيم بقدر ما يسعى إلى حياة آمنة، و خدمات أساسية، و الاستمتاع بمباهج الحياة.
و من ثمّ، فهو يثور لأجل رفاهيته لا لتحرير فلسطين أو أي بقعة محتلة أخرى في طول العالم و عرضه.
أين تكمن المشكلة؟
في هذا التوجه ما بعد العولمة، الذي يسعى إلى العودة إلى نهج السيطرة على منابع الثروة المادية للشعوب.
فالولايات المتحدة و بنو صهيون يتوغلون في آسيا، مزاحمين الصين، لا لمنافستها فقط، بل أيضًا لاستغلال ثروات تلك القارة الغنية.
إن الإمبراطورية البيضاء، التي توشك على الغرق نتيجة أفول حضارتها، لا تزال تعاند و تقاوم و ترفض الموت و السقوط، فتتمدد اقتصاديًا بدلًا من عسكريًا، و تسعى داخل أراضيها إلى استرجاع المبادرة السياسية و الاقتصادية من الجاليات المهاجرة التي بدأت بالبروز و الوصول إلى المناصب السيادية التي احتكرها طويلًا الرجل الأبيض.
و هكذا يستمر الصراع بين الحق و الباطل، و لكن بصيغة مختلفة عما كان عليه في القرن الماضي.
فإلى ماذا سيفضي ذلك في عالمٍ عربيٍّ إسلاميٍّ ما زال يقف في موضع التابع لا السيد؟