
في موضوع الفاعلية دائمًا، كما قلت في تسجيل الفيديو لهذا الصباح، فإن فاعلية الفرد إذا اجتمعت مع فاعلية الجماعة تولّد حضارة، و هذا يعني انبعاثًا جديدًا للمسلمين في عالم مضطرب أشدّ الاضطراب. و كما بينتُ في نهاية بحثي “مدخل إلى حوار الديانات”، فإن العالم في حاجةٍ ماسّة إلى بديلٍ حضاريٍّ من صنع المسلمين.
فماذا ننتظر ؟ غرسُ البذور، كما أبدع في وصفه المفكّر الراحل مالك بن نبي رحمه الله. و يهمّنا الحديث هنا عن نوعية تلك البذور و كيفية غرسها.
أما البذور، فهي تأصيل الوعي بالهوية، و تغذيته بذكاء الإنسان و رغبته في عبادة الرب تعالى عن بصيرة، و عمارة الأرض ببصمته، و تحقيق خلافة الله وفق منظومةٍ من الأخلاق و العمل تُمكّننا من الخروج من دائرة اللافعالية.
و أما كيفية غرسها، فالذي يُسهّل علينا هذه العملية هو الانحدار و الانحطاط الذي يعرفه الكون من واشنطن إلى موسكو. و كما قال أحد القساوسة من إيرلندا: “إن كان للإسلام أجوبة مقنعة و شافية، فمرحبًا بها.”
و هذه هي الروح التي يجب أن تسود و تَحكم علاقات البشر بعضهم مع بعض. فالمنظومة الفكرية التي تمخّضت عنها النهضة الغربية و اليقظة الفكرية قادتهم إلى قاع الحرية بلا حدود، إذ لم تعد هناك خطوطٌ حمراء أو حدودُ لجنونِ الحرية.
فاعليةُ الإيمان تُمكّن العبد من التغلب على كثيرٍ من نزوات النفس الأمّارة بالسوء، و من كان فعله نابعًا من إيمانه فلا خوفَ عليه، سواء تعلّق الأمر بالفرد أو بالجماعة.
لذلك، فالحضارة ليست حلمًا بعيد المنال، بل مطلبًا قابلًا للتحقيق، و المطلوب هو تفعيل الإيمان التوحيدي ليصبح فعلًا و سلوكًا: أن نعمل بما نؤمن به.
و إن كان ذلك صعبًا في محيطٍ عاصٍ و متخلّف، فإنه يظل ممكنًا. لماذا ؟ لأن النفس السليمة تحب رفع التحديات، و تسعى إلى إرضاء خالق العباد، و الله تعالى لا يُخيّب سعي عبده المجتهد.