صدر للدكتور محمد فهد الثويني _ الحاصل على دكتوراه في مجال السلوك الحركي من بوسطن، و مُعد و مدير لعدة دورات في فن التعامل مع الأبناء _ كتاب قيم بعنوان:" كيف أختار صديقي؟ (المراهق نموذجا) يقول فيه:" إن الأخوة الإسلامية فقدت الكثير من واجباتها و حقوقها، و قيمها، و الصحبة السيئة باتت ذات تأثير أكبر من الصحبة الصالحة".
ثم يضيف قائلا أنه قد روى له شخص شخصيا:" أن أحد الشباب (في سن المراهقة) فقد صلة الصداقة مع والديه فزادت الخلافات بينهما إلى أن بلغت حد الطرد من البيت، و لم يجد مأوى إلا عند بعض الزملاء، و الشاب ناجح في دراسته و حياته اليومية، إلا أنه فقد الصاحب داخل البيت، فبحث عنه خارجه، و للأسف انضم إلى مجموعة ضمته و احتضنته، و وفرت له المسكن و الطعام و الشراب...و لكن الضريبة كانت تركه الصلاة، لأنهم لا يصلون، كما اعتاد شرب الخمر لأنهم يشربون".
و أنى له أن يعيش معهم و لا يتأثر بأفعالهم؟ و كيف يؤاكلهم و يشاربهم دون أن يأكل مما يأكلون و يشرب مما يشربون؟ و هم اللذين استقبلوه لما طرده والداه، و هو شاب لم يتعد عمره السادسة عشرة".
تلكم هي المشاكل التي يعيشها الشباب و الشباب المراهق خاصة، و لا أظن أيها القارئ الكريم، أن تلك المشاكل وليدة اللحظة، بل هي نتاج أخطاء شابت حياة الطفل الأولى عبر المحطات التي عاشها الطفل بين أحضان و الدين مسؤولين عن تعليمه و تربيته أفضت في نهاية الأمر إلى توتر العلاقة بينه و بين والديه، عوض أن تفضي إلى تعزيز العلاقة و تمتينها...
فالأسرة و الوالدان أساسا هم المسؤولون عن ما ينشب من خلافات بينهم و بين الطفل، الذي هو في طور تكوين نفسه كرجل مستقبل، فإذا كانت المشاكل تحل بالضرب، و الطرد، و الصياح، و عدم الفهم لما يمر به هذا الفتى، أو تلك الفتاة، هي التي تؤدي بالفعل إلى هذه الكوارث التي ترتد أولا و أخيرا على الأم و الأب....
فالأولى بالوالدين أن يحققا الصحبة الطيبة بينهم و بين أولادهم، و يعطونها كل الرعاية التامة، بحيث يصبح الشاب لا يخشى أن يقوم بتقديم أصدقاءه لأبيه، و الفتاة كذلك تقوم باصطحاب صديقاتها لبيتها لأجل التعرف بالعائلة ككل، مما يتيح للأبوين الانتباه للتأثيرات السلبية لتلكم الصداقة و التدخل في الوقت الملائم لتنبيه فلذات أكبادهم لذلك، و من شان ذلك أن يجنبهم المرور بتجارب قاسية لا يقوون على تحملها، و ذلك عن طريق إسداء بعض التوجيهات اللبقة التي لا يجد المراهق غضاضة في تقبلها من والديه، خاصة إذا قدمت له في إطار المشورة و النصيحة لا في إطار الأمر و الإلزام...
و نحن إذ نتأسف اليوم لما نراه من مشاكل تشب بين الشباب و والديهم، لانشغالهم بوظائفهم عن تتبع ما يطرأ على أبنائهم من تحولات ذهنية و سلوكية قد لا تكون حميدة، و في ظنهم أنهم يوفرون لهم الأهم في هذه الحياة المأكل و المشرب و الملبس، في حين أن الإشباع العاطفي و الدعم النفسي قد يكون أهم من ذلك بالنسبة للأبناء في أحيان كثيرة، كما نبه إلى ذلك أمير الشعراء أحمد شوقي في قوله:
ليس اليتيم من انتهى أبواه هم الحياة و خلفاه ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له أما تخلت أو أبا مشغولا.
و قد شدني مقالا للأستاذ "عماد سعد" المنشور على موقع الأديبة عفاف عنيبة.نت، تحت عنوان "إلى صديقي المراهق ...هل فهمت"، مفاده أن فتى وقع في حب زميلته، التي لم يعد يرى غيرها، و بعدها قام الكاتب بتحليل المشكل و تبعاته، و قد أدرك الكاتب نقطة مهمة جدا ، حيث قال:" إننا معروفين ببخلنا العاطفي، فإن الأبناء الذين يحرمون التقدير و الحب من أوليائهم و داخل أسرهم، بل و لا يجدون فيها غير التعنيف و التحقير و الأوامر، و نادرا ما يسمعوا كلمات الحبّ أو الإعجاب أو التشجيع- على ضرورتها للإنسان في أطوار حياته خاصة الطفولة و المراهقة- تجد لديهم جفافا عاطفيا، و شعورا بالنقص، و بحاجة إلى الإشباع...حتى أنك لو بحثت في لهجتنا لوجدتها فقيرة من ألفاظ التعبير عن الحب و التقدير.....".
فأجابه الفتى:" و هو يقول: هذا صحيح فأنا منذ وعيت لم أسمع يوما من والدي، أو من إخوتي، كلمات الحب أو التقدير، رغم أنّ أفعالهم تعبّر عن ذلك، و إذا قالوها، فإنها تأتي في صيغة الحب المشروط " أحبك أن تدرس" ،"أحبك لما تفعل كذا " " أفتخر بك لما تشرفني بكذا "...حتى أنني أحيانا أحسد أخي الصغير ذي الأربع سنوات إذ يمطرونه بها، و أعتقد أنه سيحرم منها لما يبلغ سنّ التمييز، كما حصل معي و ابتسم ..
و لا شك أن هذا الحوار الذي جرى بين الأستاذ و المراهق يكشف بجلاء أن الإشباع العاطفي و الحاجة إلى التقدير ليست أقل شأن من المأكل و الملبس فكما أن الجسد في حاجة لهذه و تلك لكي يقوى عوده و يشتد، و يتمكن من النمو المرجو له الذي يؤهله للقيام بما هو منتظر منه في الحياة، فكذلك هو الشأن بالنسبة للنفس و الروح فهما أيضا بحاجة إلى سماع عبارات الاستحسان و التشجيع و الزجر و التوبيخ حتى تستطيعا التمييز بين السلوك المحبذ و السلوك المرذول و المستهجن مما يساعدهما على التطور في الاتجاه السليم، فالإنسان ككل يحتاج منا إلى تلك الرعاية و ذلك التعهد يتمكن من انتقاء القيم الضابطة لسلوكه في هذه الحياة فلا تحرموا أولادكم من الشعور بحبكم و لا تغفلوا عن إسماعهم عبارات التقدير و الاستحسان عند الاستحقاق فإن ذلك لا يدفعهم إلى التمسك بالسلوك الإيجابي فحسب بل هو يوطد العلاقة بينكم إذ يشعرهم بانتباهكم إليهم و إقبالكم عليهم و اهتمامكم بهم...