(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الأربعاء, 26 كانون2/يناير 2022 09:13

بين اليبس و الإخضرار

كتبه  الأستاذة رقية القضاة من الأردن الشقيق
قيم الموضوع
(0 أصوات)

( وتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ] صدق الله العظيم
هي الحياة التي اختص بها ربّ الحياة، و الرّوح التي هي من أمره سبحانه و تعالى وحده، يتعاقب الليل و النهار بعلمه، و يتعاقب الغيث و الثمر بعلمه، وتتحرك الريح فتسوق الغيوم بحكمته، فتسقي ما يشاء المغيث من مساحات البسيطة، فتخرج الارض خبأها  و رزقها، و تقف النفس البشرية حائرة صغيرة، كسيرة ضعيفة أمام القوي الجبّار، {الذي أحسن كلّ شيء خلقه و بدأ خلق الإنسان من طين}الطين الذي صار بقدرة الخالق خلقا آخر،{ فتبارك الله أحسن الخالقين}.

خلق اراده الله خليفة له في ارضه لعبادته الخالصة، و وهب له العقل المفكّر و سخر له الكون ليتفكر في أسراره و يستخرج خيراته و يستعملها في طاعة الربّ العظيمو تقف النفس الكسيرة حائرة أمام روعة الغيث المنصبّ  على الأرض الجرز، رحمة و حياة، فتجري المياه في يبس العود، فإذا هو مخضرّا ألقا بالزهر المعلق كالقناديل الملوّنة بالوان الربيع و الحياة الصاخبة، فلا تتمالك عن التسبيح و التحميد، ممتلئة الجوانح بالتوحيد لذي الجلال و الإكرام، فتسري فيها روح اليقين انطلاقا ايجابيا، خلف كنوز الكون المبثوثة في زوايا الأرض، في رحلة عبادة فاعلة  و تتنفس الأرض و تنشق عن تقاسيم الحياة و أنفاس الاخضرار الممدود على وجه البسيطة، و قد كساها الغيث المنهل حللا سندسية مزهوّة بأقمار الياسمين و خمائل الورد، فهنا الرّيحان وهناك الاقحوان، و أمامك سنابل القمح بحارا، و خلفك غابات الصنوبر و السرو و السنديان، متاهات مخضرّة تشق الشمس غياهبها، و تلفت روحك حين تطوف بين الحقول عطور لها لمسة الحزن و الذكريات، و تعرف انك قرب غصينات البنفسج النديّة النابضة بالأريج الخجول الدافيء الحزين، يتقاطر الندى من أوراقه و أزهاره في الصباح، فتحس به فراتا يسقي الحشائش النامية على سيقانه الرهيفة، فتنعشها و تححييها و اشجار اللوز المتفتحة في حدائقها بالف نور و نور مؤتلق كبحر من الضياء الابيض الممتد عبر مساحات تشرق فيها البهجة فتجعلك تدقق النظر و ترجعه مرات و مرات و يرتد اليك النظركسيرا امام هذا الجمال الرباني الدال على الخالق المبدع القدير.

 و تغمرك الرهبة و أنت تتذكرالشتاء بوابله المنصب الصيب المتواصل و قد جرى فوق الارض انهارا، و انساب في طبقاتها آبارا و بحارا، و تلك الغصون التي جفت اوراقها و استحالت عصيا جرداء تبسق من أرض تحسبها هامدة، تراها تهتز و تربو و تأتلق بمباهج لا تحصى من الألوان، و تكتسي تلك الغصون بسندس الثياب، و لا تلبث أن ترتسم بين غصونها الخضراء نقوش الزهر ألوانا تنبيء عن قرب انعقاد الثمر، و أوان القطاف، فتعرف أنّ عطر اللوز هو أوان الربيع المملوء بالتوقع و الانتظار لما تنعقد عليه زهور الربيع 
و تقف النفس حائرة امام لغزالحياة المعجز، الذي لايلبث أن يعود كما كان، أرضا هامدة تنتظر الماء المنهل من السماء، و غصونا يبسة تنتظر اخضرار الحياة، و غبارا متطايرا يتحيّن اوان الرذاذ ليسكن و يتراكم على الارض طينا تنبثق من طيّاته زنابق الحياة.

و تلهج القلوب التي سكنتها طمأنينة اليقين، واستوطنتها نسائم الرضا و الاعتراف بالضعف، و ألحّت في طلب العفو و الغفران، و ملؤها الرجاء ان لا تكتب من الجاحدين و ألّا تحشر مع المكذّبين، و أن تثاب على تفكّرها و تصديقها و ذلّها بين يدي خالقها، فتساق إلى الجنة التي وعد المتقون، حيث الأنهار لبنا وعسلا و سلسبيلا، و حيث الكؤوس التي يطوف بها الولدان ممزوجة كافورا، و حيث الجنّات المدهامّة الممدودة الوارفة الظل و الأنهار و الرضى، حيث دار الخلود.

قراءة 618 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 26 كانون2/يناير 2022 10:04